آخر، لاستلزامه للمحاذير العقلية.
ومنه تبين أن علم المقلد بجواز التقليد لما ارتكز في ذهنه غير علمه بجواز التقليد حتى في مسألة جواز التقليد، فان مرجعه إلى ارتكاز الخلف في ذهنه، لأنه حينئذ مقلد في جواز التقليد لا أن مستنده في جواز التقليد ما ارتكز في ذهنه واستقل به عقله.
فاللازم بيان ما يتخيل في وجه المنع ودفعه.
فنقول: كما أن التقليد في مسألة جواز التقليد، وتقليد الأعلم في لزوم تقليد الأعلم ، وتقليد غير الأعلم في جواز تقليد غير الأعلم، كله مستلزم للدور، وتقليد غير الأعلم في وجوب تقليد الأعلم مستلزم للخلف، وان يستلزم من وجوده عدمه، كذلك لازم تقليد الأعلم في جواز تقليد غير الأعلم هو الخلف وشبهه، لأن المفروض وجوب تقليد الأعلم معينا وعدم جواز تقليده غيره، فإذا جاز تقليد الأعلم في جواز تقليد غير الأعلم لزم وجوب تقليده معينا عدم وجوب تقليده معينا ومن حجية فتواه بالخصوص عدم حجية فتواه بالخصوص.
وبتقريب آخركما أن أصل التقليد لا يعقل أن يكون بالتقليد بل لا بد من انتهاء التعبد إلى القطع، كذلك خصوصية المقلد إذ مجرد استقلال العقل بوجوب التقليد مع عدم تعيين المقلد - من الجهات المعتبرة عقلا في المقلد - لا يجدي في الاستناد الفعلي، فلا بد من أن لا تكون الخصوصية تقليدية.
ويندفع هذا التخيل بأنه مع عدم استقلال العقل بالتقليد لا يعقل وجوبه، ومع استقلاله به لا مجال لوجوبه، والخصوصية كأصله في ذلك، فإنه مع عدم استقلال العقل لا مجال للرجوع إلى واجدها أو فاقدها تعبدا، ومع استقلال العقل باعتبارها لا مجال للتقليد فيها، إلا أن العقل أوجب الرجوع إلى الأعلم، لا من حيث فاقدها، فهو احتياط من العقل، فلم يحكم العقل بوجوبه معينا - بمعنى استقلاله بوجوبه التعييني - حتى يلزم الخلف من تقليد غير الأعلم بفتوى الأعلم، بل معناه انه لا يستقل بجواز الرجوع إلى غيره.