ثانيهما: ما سلكه شيخنا الأستاذ - قدس سره - في الكتاب من لزوم ملاحظة الخاص أولا، وعدم انقلاب النسبة، فيعامل مع الأول والثالث معاملة العامين من وجه - بعد التخصيص بالثاني أيضا - واستثنى منه ما إذا لم يبق بعد التخصيص الا مادة الاجتماع، فإنه لا يجوز تقديم العام الآخر عليه، لأنه لا يجوز تخصيصه به أيضا، بل يقدم على العام الآخر، لا من اجل القول بانقلاب النسبة، بلا لأنه - بعد تخصيصه بالخاص - كالنص فيما نفي تحته، فيقدم على الآخر الظاهر فيه بعمومه.
وفيه أولا: ما مر، من عدم الموجب للتخصيص، ما لم يتعين في قباله عموم، فان العموم، وإن كان محفوظا مع الجمع الدلالي بينه وبين العام الآخر، وأما إذا قدم عليه للترجيح السندي، فلا محالة يسقط العام في مورد الاجتماع، فلا سند الا لمادة الافتراق، فالعموم بما هو عموم لا سند له.
وثانيا: إن تقديم العام الآخر - على العام المخصص - ليس بملاك التخصيص، ليقال: بأنه لا يجوز التخصيص إلى حد لا يجوز تخصيصه، بل بملاك الترجيح السندي بين المتباينين في مورد التعارض.
وثالثا: بعد الاعتراف بعدم انقلاب النسبة المبني عنده - قدس سره - على عدم انقلاب الظهور، لا فرق بين العامين في الظهور أولا وآخرا، فلا يتفاوت ظهور العام المخصص في شموله لمورد الاجتماع - بملاحظة التخصيص - قبله وبعده.
بل الصحيح أن يقال: بلزوم اعمال قواعد التعارض بين العامين أولا، حتى يتبين أنه هل يبقى هناك عموم ليقال: بتخصيصه أم لا؟ فحينئذ، إن قدمنا العام المنافي على العام الغير المنافي للخاص - لرجحانه على الاخر - فيتحقق هناك عموم، فيخصص حينئذ بالخاص، وإن قدمنا العام الغير المنافي على العام المنافي - لرجحانه عليه - فحينئذ لا يبقى للعام الا مادة الافتراق، الذي في قباله خاص، فحينئذ إن كان الخاص بعض افراد مادة الافتراق، فيخصص العام به أيضا لانحفاظ العموم والخصوص، وعدم انقلاب النسبة، وعدم حدوث قوة لظهور العام، ولا لكاشفيته النوعية عن المراد الجدي.