حتى في الأدلة اللبية - من اجماع ونحوه - بل المراد بنظر العرف نظرهم من حيث ارتكاز المناسبات بين الحكم وموضوعه، فان العرف مع اعترافهم بأن الكلب اسم للحيوان، لا للجسم فقط، ومع ذلك يرون النجاسة من عوارض جسمه - بما هو - لا بما هو حيوان.
وحينئذ فيمكن أن يكون المرتكز في أذهانهم أن شرب هذا المائع هو المضر، وأنه القبيح عقلا والحرام شرعا.
ثم إنه لا فرق في ما ذكرنا - منعا وجوازا - بين استصحاب الوجود، واستصحاب العدم، إذ كانا مستندين إلى القضية العقلية التي مفادها حكم العقل العملي، كاستصحاب الوجوب والحرمة، المستندين إلى حسن الفعل وقبحه، واستصحاب عدم الوجوب والحرمة، إذا استندا إلى قبح تكليف غير المميز - إيجادا وتحريما - كما لا فرق - في الجواز - بين استصحاب الوجود، واستصحاب العدم، إذا استندا إلى القضية العقلية، التي مفادها حكم العقل النظري.
فالأول: كما إذا أدرك العقل وجود المصلحة، التي هي علة تامة في نظر الشارع لايجاد الفعل - مثلا - فان العقل يذعن بالايجاب لمكان العلية والمعلولية، ولا دخل له بمفاد حكم العقل العملي، فان ملاك الحسن والقبح العقلائيين هي المصالح العمومية الموجبة لانحفاظ النظام، والمفاسد العمومية الموجبة لاختلال النظام، لا المصالح الخصوصية التي تتفاوت بحسب أغراض المولى كما أشرنا إليه عند مباحث هذه التعليقة مرارا.
والثاني: كما إذا أذعن العقل بعدم التكليف في الأزل بعدم علته، فان استصحاب التكليف - عند الشك في بقاء علته - واستصحاب عدم التكليف - عند الشك في بقاء عدم علته - على حاله لا مانع منه، إذ ليس وجود العلة، ولا عدمها عنوانا لمعلوله أو لعدم معلوله كيف ولا قيام لهما بهما؟ حتى يكون عنوانا لهما، وليس نظير الحسن والقبح