الآية السالم عن المعارض وهو غير بعيد والصنف الخامس من مصارف الزكاة جهة الرقاب وعبر عنه المصنف بقوله وفي الرقاب واتى بلفظة في علي خلاف ما سبق عليها رعاية لمتابعة الآية الشريفة وقد قيل في وجه العدول من اللام إلى في في الآية وجهان الأول ان الأصناف الأربعة الأولى يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كيف شاءوا واما الأربعة الأخيرة فلا تصرف المال إليهم على هذا الوجه بل انما يصرف في الجهات التي يحصل الاستحقاق بسبب الحاجة إليها ففي الرقاب يصرف في تخليص رقابهم من الرق والأسر وفي الغارمين يصرف إلى قضاء ديونهم وكذا في سبيل الله وابن السبيل الثاني ان العدول للايذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق لان في للوعاء نسبة به على أنهم أحقاء بان يجعلوا مصبا للصدقات وتكرير في قوله وفي سبيل الله وابن السبيل فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين وهم ثلثة المكاتبون والعبيد تحت الشدة أو في غير الشدة مع عدم المستحق قال الشيخ في المبسوط واما سهم الرقاب فإنه يدخل فيه المكاتبون بلا خلاف وعندنا انه يدخل فيه العبيد إذا كانوا في شدة فيشترون ويعتقون عن أهل الصدقات ويكون ولائهم لأرباب الصدقات ولم يجز ذلك أحد من الفقهاء وفي المنتهى ان الذي ذهب إليه علماؤنا انهم المكاتبون والعبيد إذا كانوا في ضرورة وشدة يشترون ابتداء ويعتقون وقال في المعتبر ولو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه وان لم يكن في ضرورة وعليه فقهاء الأصحاب ونسب في المنتهى إلى الأصحاب جواز الشراء والعتق إذا لم يكن مستحقا ويدل على الأول عموم الآية وعلى الثاني أيضا عموم الآية واستدلوا على اعتبار الشدة بما رواه الشيخ عن عمرو بن أبي نصر في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمس مأة والستمائة ويشترى منها نسمة يعتقها فقال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ثم سكت مليا ثم قال الا ان يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه وهذه الرواية نقلها الشيخ عن الكليني وفي (في) رواه في الصحيح عن عمرو عن أبي بصير وعمرو مشترك بين جماعة فيها الثقة والضعيف وكانه وقع في التهذيب سهو وجعلها المحقق في المعتبر بأدنى تفاوت مما رواه الأصحاب عن جعفر بن محمد (ع) ويدل على الثالث أيضا عموم الآية وما رواه الكليني والشيخ عنه وعن عبيد بن زرارة في الموثق قال سألت سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل اخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فاعتقه هل يجوز ذلك قال نعم لا باس بذلك قلت فإنه لما ان أعتق وصار حرا أتجر واحترف وأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث قال يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه انما اشترى بمالهم قيل لعل فيه دلالة على لزوم التقسيط وفي الدروس ان فيه ايماء إلى أنه لو اشترى من سهم الرقاب لم يطرد الحكم إذ هو ماله لا مال غيره فيرثه الإمام قال الشهيد الثاني ان اشتراط الظاهر وعدم المستحق انما هو في اعتاقه من سهم الرقاب فلو أعتق من سهم سبيل الله لم يتوقف على ذلك وفيه نظر لعدم دلالة النص على ما ذكره واعلم أن للأصحاب هيهنا خلاف في موضعين الأول في جواز الاعتاق من الزكاة مطلقا من غير اعتبار القيدين السابقين وشراء الأب منها فقيل بالمنع وهو ظاهر كثير منهم وقيل بالجواز وهو قول المصنف في (القواعد) وقواه ولده في الشرح ونقله عن المفيد وابن إدريس وهو أقرب لاطلاق الآية الشريفة وما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرايع والاحكام عن أيوب بن الحراخي أديم بن الحر في الصحيح قال قلت لأبي عبد الله (ع) مملوك يعرف هذا الامر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة واعتقه قال فقال اشتره واعتقه قلت فان هو مات وترك مالا قال فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشترى بسهمهم قال وفي حديث اخر بمالهم وما رواه الكليني في باب نادر عن أبي محمد الوابشي في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة (زكاة) ماله قال اشترى خير رقبة لا بأس بذلك ولا تنافي بين الخبرين وبين رواية عبيد بن زرارة لان التخصيص هناك انما هو في كلام السائل وذلك لا يقتضى تخصيص الحكم واما رواية أبي بصير فيحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة الثاني من وجبت عليه كفارة العتق (ولم يجد) فهل يجوز ان يعتق عنه من الزكاة اختلف الأصحاب في ذلك فقيل نعم وقيل لا وتردد فيه المحقق في الشرايع قال الشيخ في المبسوط وروى أصحابنا ان من وجبت عليه عتق رقبة في كفارة ولا يقدر على ذلك جاز ان يعتق عنه قال والأحوط عندي ان يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشترى هو ويعتق عن نفسه وهو إشارة إلى ما نقله الشيخ عن علي بن إبراهيم في كتاب التفسير انه نقل عن العالم ان في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار وفي الايمان وفي قتل الصيد في الحرم ليس عندهم ما يكفرون وهم مؤمنون فجعل الله لهم سهما في الصدقات فيكفر عنهم وظاهر الرواية أعم من العتق وغيره لكن كونه تفسير الرقاب يعطى تخصيصها بالعتق ونقله المحقق في المعتبر بدون قوله وقتل الصيد في الحرم وقوله وهم مؤمنون ثم قال وعندي ان ذلك أشبه بالغارم لان القصد به ابراء ذمة المكفر مما في عهدته قال ويمكن ان يعطى من سهم الرقاب لان القصد به اعتاق الرقبة واعلم أنهم ذكروا انه يشترط في اعطاء المكاتب في هذا السهم ان لا يكون معه ما يصرفه في كتابته وظاهر بعض اطلاقاتهم جواز الاعطاء وان قدر على تحصيل مال الكتابة بالتكسب واعتبر الشهيد في البيان قصور كسبه عن مال الكتابة وهل يتوقف الاعطاء على حلول النجم الأشهر الاظهر عدم التوقف للعموم وقيل بالتوقف لانتفاء الحاجة في الحال بدونه وهو ضعيف وصرح المصنف في المنتهى بجواز الدفع إلى السيد بإذن المكاتب والى المكاتب بإذن السيد وبغير اذنه وهو جيد وقال بعض المتأخرين ولا يبعد جواز الدفع إلى السيد بغير اذن المكاتب أيضا لعموم الآية وهو حسن والصنف السادس من أصناف المستحقين للزكوة (الغارمون وهم الذين) (علتهم الديون في غير معصية) ويدل على استحقاق الغارمين الكتاب والسنة والاجماع وفسرهم الأصحاب بأنهم المدينون في غير معصية قال المحقق في المعتبر لا خلاف في جواز تسليمها إلى من هذا شأنه وقال في المنتهى وقد أجمع المسلمون على دفع النصيب إلى من هذا شأنه وفي التذكرة لا خلاف في صرف الصدقة إلى من هذا سبيله ولا ريب في كون المراد بالغارم المديون ويدل عليه مضافا إلى الاجماع كلام أصحاب اللغة واما التقييد بكون الدين في غير معصية فهو مذهب الأصحاب قال في التذكرة ولو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع واستدلوا عليه بان في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية وهو قبيح عقلا فلا يكون متعبدا به شرعا وفيه تأمل وبما روى عن الرضا (ع) أنه قال يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل وإذا كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الامام ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني عن علي ابن إبراهيم في تفسيره عن العالم (ع) أنه قال الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون انفقوها في طاعة الله من غير اسراف فيجب على الامام ان يقضى عنهم ويكفهم من سهم الصدقات وللنظر في صحة الروايتين مجال ولا يبعد الاكتفاء بهما لاعتضادهما بالشهرة بين الأصحاب لكن يعارضها عموم الآية وقال المحقق في المعتبر لو مات فأعطى من سهم الغارمين لم امنع منه ونقل في البيان عنه تجويز الاعطاء من سهم الغارمين واستبعده ولي فيه تردد والكلام في جواز اخذه من حصة الغارم فلو كان فقيرا واخذ من حصة الفقراء وصرفها في دينه فالظاهر أنه لا كلام في جوازه واعتبر في المعتبر والمنتهى والبيان التوبة وكانه مبنى على اشتراط العدالة واعلم أنه صرح جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان انه يعتبر في الغارم ان يكون غير متمكن من قضاء دينه وعلل بان الزكاة انما شرعت لسد الخلة ودفع الحاجة فلا يدفع مع الاستغناء عنها ولو تمكن من قضاء البعض دون البعض اعطى مالا يتمكن من قضائه واستقرب المصنف في النهاية جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر ومقتضى كلامه انه يأخذ من سهم الغارمين وهو حسن لعموم الآية ويؤيده عدم صدق التمكن من القضاء عرفا واعلم أن الأصحاب قسموا الغارم قسمين أحدهما المديون لمصلحة نفسه والثاني الغارم لا صلاح ذات البين واعتبروا في الأول الفقر دون الثاني قال الشيخ في المبسوط واما الغارمون فصنفان صنف استدانوا مصلحتهم ومعروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف وقد الحق بهذا قوم أدانوا
(٤٥٥)