كتاب الزكاة من ذخيرة المعاد بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين قال المصنف كتاب الزكاة الزكاة في اللغة الطهارة والزيادة والنمو سميت به الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوساخ المتعلقة به أو للنفوس من رذايل الأخلاق من البخل وترك مواساة المحتاج من أبناء النوع وغيرهما ولكونها تنمي الثواب وتزيده (وكذلك تنمي المال وتزيده) وان ظن الجاهل تجافيا العلل والأسباب وخواص الأشياء وثمراتها انها تنقص المال واختلف أهل الشرع في تعريفها فقال المحقق في المعتبر انه اسم لحق يجب في المال يعتبر في وجوبه النصاب فاندرج في الحق الزكاة والخمس وغيرهما من الحقوق وخرج بالواجب في المال ما ليس كذلك كحق الشفعة والتحجير ونحوهما وخرج بالقيد الأخير الكفارة وغيرها من الحقوق المالية التي لا يعتبر فيها النصاب واندرج فيه زكاه الفطرة لان النصاب معتبر فيها إما قوت السنة أو ملك أحد النصب الزكوتية ونقض في طرده بالخمس في نحو الكنز والغوص مما يعتبر فيه النصاب وفي عكسه بالزكاة المندوبة وأجيب عن الأول بان اللام في النصاب للعهد والمعهود نصاب الزكاة أو المراد اعتبار النصاب في جنسه وعن الثاني بان المراد بالوجوب هنا مطلق الثبوت فيشمل المندوب والكل لا يخلو عن التكليف وقيل الأولى في تعريفها انها صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء فخرج بالصدقة الخمس وبالمقدرة المبر المتبرع به وبالأصالة المنذورة وبالابتداء الكفارة واندرجت الواجبة والمندوبة ولا يحتاج إلى ضميمته الراجحة لان الصدقة انما تكون كذلك ولا يرد النقض في عكسه بالصدقة بكسرة وقبضة وصاع وتمرة وشق تمرة كما ورد في الخبر لان المقصود بذلك ليس هو التحديد والتقدير بل الإشارة إلى أن الله تعالى يقبل القليل والكثير ولا يخفى ان هذا التعريف أيضا لا يخلو عن خلل ولكن الامر في التعريفات هين بعد اتضاح المعرفات وظهورها والاشتغال بتزيفها أو تصحيحها قليل الفائدة والتجاوز عنه إلى غيره من الأمور المهمة في الدين هو اللائق بسنن المتقين واعلم أن وجوب الزكاة من ضروريات الدين وعليه اجماع المسلمين قال المصنف (ره) في (التذكرة) أجمع المسلمون كافة على وجوبها في جميع الأعصار وهي أحد أركان الاسلام الخمسة قال فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب وان لم يكن عن فطرة بل أسلم عقيب كفر استتيب مع علم وجوبها ثلاثا فان تاب والا فهو مرتد وجب قتله وإن كان مما يخفى وجوبها عليه لأنه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالاسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره انتهى و يدل على وجوب الزكاة الكتاب والسنة قال الله تعالى أقيموا الصلاة واتوا الزكاة وقال تعالى ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وقال تعالى ولا تحسبن الذين يبخلون بما اتيهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة واما الأخبار الواردة في هذا الباب فهي كثيرة و لنورد هيهنا جملة كافية من الأخبار الدالة على وجوبها وعقاب تاركها والثواب المترتب على فعلها من غير استقصاء روى الكليني عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (ع) قال إن الله عز وجل فرض الزكاة كما فرض الصلاة فلو ان رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب وذلك أن الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء للفقراء ما يكتفون به الفقراء ولو علم أن الذي فرض لا يكفيهم لزادهم وانما يؤتى الفقراء فيما اتوا من منع من منعهم حقوقهم لامن الفريضة وعن عبد الله بن سنان في الصحيح أيضا قال قال أبو عبد الله (ع) لما نزلت آية الزكاة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وأنزلت في شهر رمضان فامر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس ان الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض الله عز وجل عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب فنادى بهم بذلك في شهر رمضان وعفى لهم عما سوى ذلك قال ثم لم يفرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فقاموا وأفطروا فامر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم قال ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق وعن زرارة ومحمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم قالا لأبي عبد الله (ع) أرأيت قول الله عز وجل انما الصدقات للفقراء والمساكين إلى أن قال فقال إن الله فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله ولكن اتوا من منع من منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم ولو أن الناس أدوا حقهم لكانوا عائشين بخير وعن محمد بن مسلم وأبي بصير وبريد وفضيل في الحسن بإبراهيم عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) قالا فرض الله الزكاة مع الصلاة وعن أبي بصير في الحسن بإبراهيم قال كنا عند أبي عبد الله (ع) ومعنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله (ع) ان الزكاة ليس يحمد بها صاحبها انما هو شئ ظاهر انما حقن بها دمه وسمى بها مسلما ولو لم يؤدها لم تقبل له صلاة وان عليكم في أموالكم غير الزكاة فقلت أصلحك الله وما علينا في أموالنا غير الزكاة فقال سبحان الله إما تسمع الله عز وجل يقول في كتابه والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم قال قلت ماذا الحق المعلوم الذي علينا قال هو الشئ الذي يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه وقوله عز وجل ويمنعون الماعون قال هو القرض يقرضه والمعروف يصنعه ومتاع البيت يعيره ومنه الزكاة فقلت له ان لنا جيرانا إذا أعرناهم متاعا نكروه وأفسدوه فعلينا جناح ان نمنعهم فقال لا ليس عليكم جناح ان تمنعوهم إذا كانوا كذلك قال قلت له ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا قال ليس من الزكاة قال قلت قوله عز وجل الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال ليس من الزكاة قال قلت فقوله عز وجل ان تبدوا الصدقات فنعما هي وان تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم قال ليس من الزكاة وصلتك قرابتك ليس من الزكاة وعن سماعة من مهران باسناد فيه محمد بن عيسى المشترك بين الممدوح ومن يتوقف فيه عن أبي عبد الله (ع) قال إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدوا الا بأدائها وهي الزكاة بها حقنوا دمائهم وبها سموا مسلمين ولكن الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عز وجل وفي أموالهم حق معلوم فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شئ يفرضه الرجل على نفسه في ماله يجب عليه ان يفرضه على قدر طاقته وسعة ماله فيؤدي الذي فرض على نفسه ان شاء في كل يوم وان شاء في كل جمعة وان شاء في كل شهر وقد قال الله عز وجل أيضا اقرضوا الله قرضا حسنا وهذا غير الزكاة وقد قال الله عز وجل أيضا الذين ينفقون مما رزقناهم سرا وعلانية والماعون أيضا وهو القرض يقرضه والمتاع يعيره والمعروف يصنعه ومما فرض الله عز وجل أيضا في المال من غير الزكاة قوله عز وجل الذين يصلون ما أمر الله به ان يوصل ومن أدي ما فرض الله عليه فقد قضى ما عليه وادى شكر ما أنعم الله عليه في ماله إذا هو حمده على ما أنعم الله عليه فيه مما هو فضله به من السعة على غيره ولما وقفه لأداء ما فرض الله عز وجل عليه واعانه عليه وعن زرعة بن موسى انه سمع سألت أبا عبد الله (ع) يقول ما فرض الله على هذه الأمة شيئا أشد عليهم من
(٤١٨)