أقرب لنا عموم الأخبار الدالة على العشر ونصف العشر في الغلات الأربع من غير استثناء للمؤن فيكون ثابتا في الجميع وما رواه الشيخ الكليني عنه عن أبي بصير ومحمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) انهما قالا له وهذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل ارض دفعها إليك سلطان فما حرثته فيها فعليك فيما اخرج الله منها الذي قاطعك عليه وليس على جميع ما اخرج الله منها العشر انما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك قال بعض الفضلاء هذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شئ مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة إذ المقام مقام البيان واستثناء ما عسى ان يتوهم اندراجه في العموم احتج المصنف في المنتهى على ما ذهب إليه من استثناء المؤن بان النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالحيازة كساير الأموال المشتركة وبان المؤنة سبب الزيادة فتكون على الجميع وبان الزام المالك بالمؤنة كلها حيف عليه واضرار به وهو منفى وبان الزكاة في الغلات تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المؤنة قال ويؤيده ما رواه الكليني والشيخ عنه عن محمد بن مسلم في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال سألت سألت أبا عبد الله (ع) عن التمر والزبيب ما أقل ما يجب فيه الزكاة قال خمسة أوسق ويترك معافاة دوام جعرو ولا يزكيان وان كثرا ويترك للحارس الغدق والغدقان والحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله وفي (القواعد) معي الفار تمر ردي وقال الجوهري الجعرو ضرب من الدقل وهو أرد التمر ومعا فارة قد تسمى مصران الفارة ووجه التأييد في هذا الخبر ان الحكم إذا ثبت في الحارس ثبت في غيره ضرورة عدم القايل بالفصل واعترض على جميع هذه الأدلة إما الأول فلان اشتراك النصاب بين المالك والفقراء ليس على حد ساير الأموال المشتركة لينسحب حكمها فيه كلية ولهذا يجرى فيه ما لم يجر في ساير الأموال المشتركة فيجوز للمالك الاخراج من غير النصاب والتصرف فيه بمجرد الضمان ووجب عليه كلما يتوقف عليه الدفع إلى المستحق من اجرة الكيال والوزان وغير ذلك لتوقف الواجب عليه على أن الدليل لو تم لدل على استثناء المؤنة المتأخرة عن وقت تعلق الوجوب لحصول الاشتراك في ذلك الوقت والمدعى أكثر منه واما الثاني فضعفه ظاهر لكونه في قوة المدعى واما الثالث فلان مثل هذا الاضرار غير ملتفت إليه في نظر الشرع والا سقطت التكاليف كلها واما الرابع فبطلانه واضح واما الرواية فبمنع التعدي عن موضع النص والقول بعدم القايل بالفرق غير واضح فان الحكم المنصوص فيه ثابت عند الجميع وقد صرح به من لا يعتبر المؤنة كما حكاه في التذكرة والمنتهى وبالجملة هذا القول ضعيف والمستفاد من النصوص وجوب الزكاة في جميع ما يخرج من الأرض بعد المقاسمة فالتعويل عليه وعلى القول باستثناء المؤنة فهل يعتبر بعد النصاب فيزكى الباقي منه بعد اخراج المؤنة أو قبله فلا يجب الزكاة لو لم يبلغ الباقي بعد اخراج المؤنة نصابا أم يعتبر ما سبق على تعلق الوجوب كالسقي والحرث قبله وما تأخر كالحصاد والجذاذ بعده فيه أوجه قد ذهب المصنف في التذكرة إلى الأول وفي المنتهى (وير) إلى الثاني واستوجه الشهيد الثاني الثالث ولعل الأقرب الأول ولا يخفى ان المستفاد من حسنة محمد بن مسلم السابقة عدم وجوب الزكاة في النوعين المذكورين فيها من النخل وأوله المصنف في المنتهى بان المراد عدم اخراج الزكاة منهما لان الزكاة لا يجب فيهما ولو بلغا النصاب وفيه بعد وقد يقال الوجه فيه تعارف اكل هذين النوعين قبل صيرورتهما تمرا فيكون مضمونه موافقا لما رواه الشيخ عن علي بن جعفر في الصحيح انه سأل أخاه موسى (ع) عن البستان لا يبتاع غلته ولو بيعت بلغت غلتها مالا فهل يجب فيه صدقة فقال لا إذا كانت تؤكل فتصلحان حجة لمن يعتبر في ثبوت الزكاة صدق اسم التمر ولو سقى بهما اعتبر الأغلب عند علمائنا وأكثر العامة والأصل فيه ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمر عن معاوية بن شريح وهو غير مصرح بالمدح والتوثيق في كتب الرجال الا ان له كتابا يرويه ابن أبي عمير وعلي بن الحكم وابن أبي عمير لا يروى الا عن الثقات كما صرح به الشيخ ونبهنا عليه مرارا ففي ذلك دلالة على حسن حاله عن أبي عبد الله (ع) قال فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا فالعشر واما ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم تزيد الماء وتسقى سيحا فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك قلت نعم قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر فقلت والأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا قلت في ثلاثين ليلة أربعين ليلة وقد مكثت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر واستدل عليه في التذكرة بان اعتبار مقدار السقي وعدد مراتبه وقدر ما يشرب في كل سقية مما يشق ويتعذر فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت غالبة على الانسان كان عدلا وان ندرت منه المعصية وفيه ضعف وحكى عن بعض العامة انه يؤخذ بالتقسيط مع الأغلب كما في صوره التساوي وهل الاعتبار بالأكثر زمانا أو عددا أو نفعا فيه أوجه فقيل يحتمل الأول نظرا إلى الرواية حيث اطلق فيها نصف العشر ورتبه على أغلبية الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات وفيه تأمل لا يخفى على المتدبر ويحتمل الثاني نظرا إلى أن المؤنة انما تكثر بسبب ذلك ولعلها الحكمة في اختلاف الواجب ويحتمل الثالث واستقربه المصنف في جملة من كتبه معللا بان ظاهر النص مقتضاه ان النظر إلى مدة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أم لا وفيه تأمل فان تساويا قسط قال في المنتهى وهو اجماع العلماء وعلل بان دوام كل من الامرين في جميع السنة يوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفه أوجب نصفه وفيه تأمل والأولى الاستناد فيه إلى الرواية السابقة ولو لم يعلم الأغلب فيحتمل الحاقه بالمتساوى ويمكن استخراجه من الرواية وهو اختيار التذكرة والمنتهى ومستقرب البيان ويحتمل العشر تغليبا لجانب الاحتياط وهو منقول عن بعض العامة ولعل الترجيح للأول ثم تجب في الزايد عن النصاب مطلقا من غير اعتبار نصاب اخر وان قل والظاهر أنه لا خلاف فيه بين العلماء ويدل عليه عموم الأدلة وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار في القوي عن أبي إبراهيم قال سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال العشر ونصف العشر العشر فيما سقت السماء ونصف العشر فيما سقى بالسوانى فقلت ليس عن هذا أسألك انما أسئلك عما خرج منه قليلا كان أو كثيرا اله حد يزكى مما خرج منه فقال يزكى ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشره واحدا ومن كل عشرة نصف واحد قلت فالحنطة والتمر سواء قال نعم وهو محمول على ما زاد على خمسة أوسق ولعله لم يبينه لظهوره عند الراوي ويتعلق الوجوب عند بدو الصلاح وهو انعقاد الحصرم واشتداد الحب واحمرار الثمرة أو اصفرارها وقد مر تحقيق هذه المسألة سابقا والاخراج عند التصفية والجذاذ والصرام وفي جعل ذلك وقت الاخراج تجوز وانما وقته عند يبس الثمرة وصيرورتها تمرا أو زبيبا والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب بل قال المصنف في المنتهى اتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الاخراج في الحبوب الابعد التصفية وفي التمر الا بعد التشميس والجفاف ونحوه قال في التذكرة والمراد بوقت الاخراج الوقت الذي يصير ضامنا بالتأخير أو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبة المالك وليس المراد الوقت الذي لا يجوز التقديم عليه لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي المالك الثمرة قبل الجذاذ ويدل عليه مضافا إلى العمومات قوله (ع) في صحيحة سعد بن سعد الأشعري إذا خرصه اخرج زكاته ولا يجب بعد ذلك اي بعد الاخراج مرة من زكاة وان بقى أحوالا والظاهر أنه مجمع عليه بين الأصحاب بل قال في المعتبر انه عليه اتفاق علماء الاسلام عدا الحسن البصري ولا عبرة بانفراده ويدل عليه مضافا إلى الأصل ما رواه الكليني والشيخ عنه بتفاوت في المتن عن زرارة وعبيد بن زرارة في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) قال أيما رجل كان له حرثا وثمرة فصدقها فليس عليه فيه شئ وان حال عليه الحول عنده الا ان يحوله مالا فان فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه ان يزكيه والا فلا شئ عليه وان ثبت ذلك الف عام إذا كان بعينه قائما عليه فيه صدقة العشر فإذا أداها مرة واحدة فلا شئ عليه فيها حتى يحوله مالا ويحول عليه الحول وهو عنده بخلاف باقي النصب فإنه تجب الزكاة فيه في كل سنه مع استجماع شرائط الوجوب بلا خلاف ويضم الثمار في البلاد المتباعدة وان اختلفت تلك الثمار في الادراك المراد ان حكم النخيل والزرع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد فان بلغ بعضه الحد الذي يتعلق به الوجوب فإن كان نصابا أخذت منه الزكاة ثم يؤخذ من الباقي عند تعلق الوجوب به قل أو كثر وإن كان دون النصاب يتربص
(٤٤٣)