أهل اللغة أيضا فقال الجوهري رجل فقير من المال قال ابن السكيت الفقير الذي له بلغة من العيش قال الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو إليه سعاته إما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سيد قال والمسكين الذي لا شئ له وقال الأصمعي المسكين أسوء حالا من الفقير وقال يونس الفقير أحسن حالا من المسكين قال وقلت لاعرابي أفقير أنت قال لا والله بل مسكين وقال ابن الا عرابي الفقير الذي لا شئ له قال والمسكين مثله انتهى وقال الهروي في الغربيين قوله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين قال ابن عرفة اخبرني أحمد بن يحيى عن محمد بن سلام قال قلت ليونس فرق لي بين المسكين والفقير فقال الفقير الذي يجد القوت والمسكين الذي لا شئ له وقال ابن عرفة الفقير عند العرب المحتاج قال الله تعالى أنتم الفقراء إلى الله اي المحتاجون إليه فاما المسكين قد اذله الفقر فإذا كان هذا انما مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة وإذا كان مسكينا قد اذله شئ سوى الفقر فالصدقة لا تحل له إذا كان شايعا في اللغة ان يقال ضرب فلان المسكين وظلم المسكين وهو من أهل الثروة واليسار و انما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة وقال في (ق) الفقر ويضم ضد الغنى وقدره ان يكون له ما يكفي عياله أو الفقير من يجد القوت والمسكين من لا شئ له أو الفقير المحتاج والمسكين من اذله الفقر أو غيره من الأحوال أو الفقير من له بلغة والمسكين لا شئ له أو هو أحسن حالا من الفقير أو هما سواء وقال المطرزي الفقير أحسن حالا من المسكين وقيل على العكس لان الله تعالى قال إما السفينة فكانت لمساكين فأخبر ان لهم سفينة وهي يساوى جمله وقال للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض واما قول الراعي إما الفقير الذي كانت حلوبة وفق العيال فلم يترك له سيد فمعناه كانت له حلوبة فيما مضى فالآن ما بقيت له تلك والحلوبة الناقة التي يحلب وقوله لم يترك له سيد من مثل العرب في النفي العام ماله سيد ولا لبد اي شئ والسيد في الأصل الشعر واللبد الصوف وفق العيال اي لبنها يكفيهم حجة الأولين وجوه الأول قوله تعالى إما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر الثاني ان الابتداء يقع بالأهم وقد بدى بالفقير في قوله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين الثالث قوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس الحافا الرابع ان الفقر مشتق من فقار الظهر فكأن الحاجة قد كسرت فقار ظهره الخامس قول النبي صلى الله عليه وآله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ونعوذ بالله من الفقر وهو يدل على أنه أشد ويرد على الأول انه يجوز ان يكون اللام في قوله تعالى لمساكين للاختصاص لا للملك سلمنا لكن يجوز ان يكون المراد بالمساكين الضعفاء قال ابن الأثير وقد يقع المسكنة على الضعف ومنه حديث قبله قال صدقة المسكنة أراد الضعف ولم يرد الفقر وقال أيضا وقد تكرر في الحديث ذكر المسكين والمساكين والمسكنة والتمسكن وكلها يدور معناها على الخضوع والذلة وقلة المال والحال السيئة سلمنا لكن لا يلزم من ذلك كون الفقير أسوء حالا من المسكين وعلى الثاني انه يجوز ان يكون الاهتمام بالفقير لا باعتبار كونه أسوأ حالا بل باعتبار اخر لاحتمال ان يكون باعتبار كونه أشرف لكونه لا يسئل وعلى الثالث انه يجوز ان يكون الموصول صفة مخصصة للفقراء فلا يلزم كونه أسوأ حالا من المسكين بل يجوز كونه أعم سلمنا لكن لا يلزم المدعا وهو كونه أسوأ حالا من المسكين وعلى الرابع انه نكتة ضعيفة لا يصلح التأسيس المطلق وعلى الخامس ان قوله (ع) اللهم احيني مسكينا فالمراد منه التواضع والاخبات وان لا يكون من الجبارين المتكبرين قال ابن الأثير والمراد من الفقر المستعاذ منه الفقر إلى الناس والطمع فيما أيديهم فعن الصادق (ع) الطمع هو الفقر الحاضر وقال حاتم إذا ما عرفت اليأس الفقير الغنى إذا عرفته النفس والطمع الفقر ويؤيد ما ذكرنا ما دل على فضيلة الفقر ويؤيد هذا القول ما رواه الكليني عن هشام بن الحكم في الحسن بإبراهيم بن هاشم عن أبي عبد الله (ع) قال إذا كان يوما القيمة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنة فيضربون الباب فيقال من أنتم فيقولون نحن الفقراء فيقال لهم اقبل الحساب فيقولون ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول الله عز وجل صدقوا ادخلوا الجنة احتج الآخرون بما رواه الكليني عن أبي بصير في الحسن قال قلت لأبي عبد الله (ع) قول الله عز وجل انما الصدقات للفقراء والمساكين قال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين اجهد منه والبائس أجهدهم وبان العادة في عبارات أهل اللسان تأكيد الأضعف معنى بالأقوى منه ولا شك انه يحسن ان يقال فقير مسكين دون العكس وبقوله تعالى أو مسكينا ذا متربة معناه على ما قيل إنه لشدة فقره وحاجته قد الصق بطنه بالتراب ويسعى (يشعر) الراعي السابق وبقول الأعرابي المنقول سابقا والكل ضعيف سوى الأول ويدل على هذا القول ما رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما انه سأله عن الفقير والمسكين فقال الفقير الذي لا يسئل والمسكين الذي هو اجهد منه الذي يسئل ومن هنا يظهر قوة هذا القول واعلم أن جماعة من الأصحاب منهم الشيخ وابن إدريس والمصنف صرحوا بان الفقير والمسكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الأخر والشهيد الثاني نفى عنه الخلاف وقال الشهيد في البيان بعد أن نقل عن الشيخ والراوندي والفاضل انهم قالوا يدخل كل منهما في لفظ الأخر فان أرادوا به حقيقة ففيه منع ويوافقون على أنهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج إلى فصل يميز بينهما والوجه انه ان لم يثبت الاجماع على الحكم المذكور كما هو الظاهر كان للتأمل فيه مجال ويشملهما اي الفقير والمسكين من يقصر ماله من مؤنة السنة له ولعياله اعلم أن الحد الشامل للفقير والمسكين عدم الغناء الشامل لمعناهما فإذا تحقق ذلك استحق صاحبه الزكاة لا اعلم فيه خلافا ونفى المصنف في المنتهى الخلاف عنه واختلف الأصحاب فيما يتحقق به الغناء المانع لاستحقاق الزكاة فنقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال الغنى من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمته وقال في المبسوط الغنى الذي يحرم معه اخذ الصدقة ان يكون قادرا على كفايته وكفاية من يلزم كفايته على الدوام فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته ترد عليه كفايته وكفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه وإن كانت لا ترد عليه حل له ذلك وهكذا حكم العقار وإن كان من أهل الصنايع احتاج ان يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته فان نقصت من ذلك حلت له الصدقة ويختلف ذلك على حسب اختلاف حاله حتى إن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار أو الفي دينار فنقص عن ذلك قليلا حل له اخذ الصدقة وهذا عند الشافعي والذي رواه أصحابنا انها تحل لصاحب السبع مائة وتحرم على صاحب الخمسين وذلك على قدر حاجته إلى ما يتعيش به ولم يرووا أكثر من ذلك وفي أصحابنا من قال من ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيا ويحرم عليه الصدقة وذلك قول أبي حنيفة انتهى والظاهر أن المراد بقوله على الدوام ان يكون له ما يحل به الكفاية عادة من صنعة أو ضيعة أو مال يتجر به بحيث لا ينقص حاصلها عن حاجته وقول المصنف في (لف) والظاهر أن مراده بالدوام هنا مؤنة السنة تعيد وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية الأولى على مذهبنا ان الصدقة محرمة على كل مستغنى عنها ومن ملك خمسين درهما أو دونها وهو قادر على أن يكفي نفسه ويسد خلته فلا يحل له الصدقة لأنه ليس بمضطر إليها وراعى أبو حنيفة في تحريم الصدقة تملك النصاب واستدل باجماع الفرقة وقال ابن إدريس اختلف أصحابنا فيمن يكون معه مقدار من المال ويحرم عليه بتملك ذلك المال اخذ الزكاة فقال بعضهم إذا ملك نصابا من الذهب وهو عشرون دينارا فإنه يحرم عليه اخذ الزكاة وقال بعضهم لا يحرم على من ملك سبعين دينارا وقال بعضهم لا اقدره بقدر بل إذا ملك من الأموال ما يكون قدر كفايته لمؤنته طول سنة على الاقتصار فإنه يحرم عليه اخذ الزكاة سواء كان نصابا أو أقل أو أكثر فإن لم يكن بقدر كفاية سنة فلا يحرم عليه اخذ الزكاة وهذا هو الصحيح واليه ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف انتهى كلامه وفي المعتبر الغنى ما يحصل به الكفاية ونقله عن الشيخ في باب قسمة الصدقات وقال بعد ذلك في جملة فروع ذكرها لو كان له مال معد للانفاق ولم يكن مكتسبا ولا ذا صناعة أمكن ان يعتبر الكفاية له ولعياله حولا وبه قال ابن الجنيد لان مثل ذلك يسمى فقيرا بالعادة وأمكن ان يمنع من الزكاة حتى يستنفد ما معه بالانفاق لكن الأول أولي لما روى من جواز تناولها من ملك ثلاثمائة درهم وسبعمائة مع التكسب القاصر فمع عدم التكسب أولي واختار المصنف قول ابن إدريس واليه ذهب المحقق وجمهور المتأخرين لكن هذا الاطلاق مناف لما صرح به المصنف
(٤٥٢)