ولو بدعواه الفقر فيرجع هذا التفصيل إلى ما اطلقه الشيخ وان أراد به البحث والتفتيش الزايد على القدر المذكور كما هو الظاهر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب عندهم وقيل نقل جماعة من الأصحاب الاجماع على عدم وجوبه وعلى الروايتين ان موردهما غير محل النزاع كما لا يخفى على المتدبر فيهما وذكر بعض المتأخرين ان الروايتين يدلان بالفحوى على انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محل النزاع وفيه نظر لان المستفاد من الروايتين عدم الضمان إذا اجتهد في طلب الأهل فلم يجده فدعوى دلالتها بالفحوى على عدم الضمان في محل البحث انما يتم إذا قيد الحكم بانتفاء المستحق يقينا والمدعى أعم منه وبما ذكرناه يظهر انه لا نص في المسألة الا راويه الحسين بن عثمان فان قلنا بحجية مثلها بناء على صحتها إلى ابن أبي عمير كان الترجيح للقول الثاني وان قلنا بعدم حجيتها وصحتها لمكان الارسال فيها كان الترجيح للقول الأول ولو بان ان المدفوع إليه كافر أو فاسق وقلنا باشتراط العدالة في المستحق أو هاشمي وكان الزكاة من غيره أو ممن يجب نفقته على الدافع فالذي قطع به الأصحاب كالشيخ ومن تبعه عدم الإعادة في جميع هذه الصور واستدل عليه بان الدفع واجب فيكتفى في دفعه بالظاهر تعليقا للوجوب على الشرط الممكن فلم يضمن لعدم العدوان في التسليم المشروع وحكى الفاضلان عن بعض العامة قولا بلزوم الإعادة في هذه الصور محتجا بعدم وصول الحق إلى مستحقه فيضمن كالدين وبان الايصال بالرسول والكفر والغرابة لا يخفى مع الاجتهاد والطلب بخلاف الغنى لخفاء حاله كثيرا كما قال تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف وأجابا عن الأول بان مستحق الدين متعين فلا يجوز دفعه الا مع اليقين بخلاف الزكاة ولعل الغرض من هذا الجواب التنبيه على كون هذه الحجة قياسا مع بيان الفارق وعن الثاني بان الخفاء والظهور متطرق إلى الجميع على سواء والوجه انه إذا فرض كون التسليم مشروعا لزم الخروج عن العهدة وايجاب الإعادة منفى بالأصل لأنه يثبت بالدليل ولم يظهره فالمتجه ما ذكره الأصحاب واستثنى الفاضلان من ذلك ما لو ظهر المدفوع إليه عبدا للمالك فأوجبا الإعادة والحال هذه لعدم خروج المال عن ملك المالك حينئذ فيكون بمنزلة العزل من غير تسليم واستشكله بعضهم بان ذلك آت في جميع الصور فان غير المستحق لا يملك الزكاة في نفس الامر ومقتضى عدم الإعادة وهو التسليم المشروع متحقق في الجميع فالفرق غير مستقيم ولا يملكها اي الزكاة الاخذ لعدم تحقق الوصف المقتضى للاستحقاق فيكون بالأخذ غاصبا وقد مر تحقيق ذلك ولو صرف المكاتب ما اخذه من الزكاة في غير الكتابة والغازي في غير الغزو والغارم في غير الدين استعيدت اختلف الأصحاب فيما إذا لم يدفع المكاتب المال إلى السيد بان أبرءه من مال الكتابة أو تطوع عليه متطوع فقال الشيخ لا يرتجع لأنه ملكه بالقبض فكان فيه التصرف كيف شاء واستشكله المحقق وقال الوجه انه ان دفعه إليه ليصرفه في مال الكتابة ارتجع بالمخالفة لان للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف وهو غير بعيد فلو دفعه إلى السيد ثم عجز عن الأداء في المشروطة فاسترق فقد قطع الأصحاب كالشيخ وغيره بعدم جواز الارتجاع لان المالك مأمور بدفعها إلى المكاتب ليدفعه إلى سيده وقد حصل الامتثال فيلزم الأجزاء وحكى المصنف عن الشافعية وجها بجواز ارتجاعه لان القصد تحصيل العتق فإذا لم يحصل وجب استرجاعه كما لو كان في يد المكاتب وأجاب بان الفرق ظاهر لان السيد ملك المدفوع بالدفع واختلف الأصحاب أيضا في جواز الارتجاع على الغارم أيضا إذا صرف ما دفع إليهم من سهم الغارمين في غير قضاء الدين فالمشهور بين المتأخرين انه يرتجع لان فيه مخالفة لقصد المالك وقال الشيخ لا يرتجع لأنه ملكه بالقبض فلا يحكم عليه وأجيب عنه بأنه ملكه ليصرفه في وجه مخصوص فلا يسوغ (يشرع) له غيره واما ارتجاع المدفوع إلى الغازي مع عدم الغزو فمشهور بين الأصحاب ونقله المصنف في التذكرة عن الشيخ أيضا وعلل بأنه ملكه ليصرفه في وجه مخصوص فيستعاد مع المخالفة قالوا وكذا لو خرج إلى الغزو ثم عاد من الطريق وانما يرتجع من المكاتب والغازي والغارم مع المخالفة مطلقا الا ان يدفع إليه من سهم الفقراء في كل موضع جاز ذلك ووجهه ظاهر ويجوز ان يعطى الغارم ما تقضى به الدين الذي أنفقه في المعصية من سهم الفقراء إذا كان فقيرا مطلقا ان قلنا بعدم اشتراط العدالة في الفقير ومع التوبة ان قلنا بالاشتراط ويجوز ان يعطى من سهم الغرم ما جهل حاله على المشهور بين الأصحاب خلافا للشيخ ره والأقرب الأول لعموم الأدلة ويؤيده عسر تتبع مصارف الأموال وقد يعلل بان الأصل في تصرفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع إما حجة الشيخ فلعله رواية محمد بن سليمان عن رجل من أهل الجزيرة يكنى سألت أبا محمد عن الرضا (ع) قلت فهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة أم معصية قال يسعى في ماله فيرده عليه وهو صاغر والرواية ضعيفة جدا فلا يستقيم الاعتماد عليها في تخصيص العمومات ويجوز مقاصة الفقير بما عليه من الدين للمزكى قيل المراد بالمقاصة هنا اسقاط ما في ذمة الفقير للمزكى من الدين على وجه الزكاة وقيل إن معنى المقاصة احتساب الزكاة على الفقير ثم اخذها مقاصة من دينه والظاهر الأول والثاني بعيد وجواز مقاصة الفقير المديون بما عليه من الزكاة مقطوع به في كلام الأصحاب لا اعرف فيه خلافا بينهم ويدل عليه المستفيضة منها ما رواه الكليني عن عبد الرحمن بن الحجاج الثقة باسنادين أحدهما صحيح قال سألت سألت أبا الحسن الأول (ع) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه وهم مستوجبون للزكوة هل لي ان ادعه واحتسب به عليهم من الزكاة قال نعم وعن سماعة في الموثق عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد ان يعطيه من الزكاة فقال إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من داره أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجوان يأخذ منه ماله عنده من دينه فلا بأس ان يقاصه بما أراد ان يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها فإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجو ان يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته ولا يقاصه شئ من الزكاة ولعله محمول على الفضيلة وعن عمار في القوى قال سمعت سألت أبا عبد الله (ع) يقول قرض المؤمن غنيمة وتحصيل اجر ان أيسر قضاك وان مات قبل ذلك احتسب به من الزكاة وعن إبراهيم بن السندي في الضعيف عن أبي عبد الله (ع) قال قرض المؤمن غنيمة وتعجيله خير ان أيسر أداه وان مات قبل ذلك احتسب به من الزكاة وعن الحسن بن علي وهو ابن فضال في الموثق عن عقبة بن خالد وهو غير ممدوح ولا مطعون قال دخلت انا والمعلى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله (ع) فلما رآنا قال مرحبا مرحبا بكم وجوه تحبنا ونحبهم جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة فقال له عثمن جعلت فداك فقال له أبو عبد الله (ع) نعم مه قال إني رجل موسر فقال له بارك الله لك في يسارك قال ويجيئ الرجل ويسألني الشئ وليس هو ابان زكوتي فقال له أبو عبد الله (ع) الفرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان ابان زكاتك احتسب بها من الزكاة يا عثمن لا يرده فان رده عند الله عظيم يا عثمان انك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربه ما توانيت في حاجته ومن ادخل على مؤمن سرورا فقد ادخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وقضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون والجذام والبرص ويجوز ان يقضى عنه اي عن الفقير ما عليه من الدين حيا وميتا لا اعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب ونقل بعضهم اتفاق الأصحاب عليه ويدل على القضاء ميتا ما رواه الكليني عن عبد الرحمن بن الحجاج الثقة باسنادين أحدهما صحيح قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل عارف فاضل توفى وترك عليه دينا قد ابتلى به لم يكن بمفسد ولا بمسرف ولا بمعروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف والألفان قال نعم وعن زرارة في الحسن بإبراهيم بن هاشم قال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدى زكاته في دين أبيه وللابن مال كثير فقال إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته وان لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه ويدل عليه أيضا رواية عمار وإبراهيم بن السندي السابقتان في المسألة المتقدمة واختلف الأصحاب في اشتراط قصور تركة الميت من الدين كالحرة فذهب ابن الجنيد والشيخ في (ط) إلى الاشتراط وذهب الفاضلان إلى العدم ولعل حجة الأول حسنة زرارة المذكورة واختصاصها بالأب غير ضائر بعد إضافة دعوى عدم القائل بالفصل لكن اثباته لا يخلو عن اشكال حجة الثاني على ما ذكره المصنف في (لف) عموم الاجر باحتساب الدين على الميت من الزكاة ولأنه بموته انتقلت التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا
(٤٦٤)