في أن الناس في الدنيا على ثلاثة أطباق (1).
كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام). نهج البلاغة: قال: ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) كاف لك في الأسوة، ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها إذ قبضت عنه أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها، وفطم من رضاعها، وزوي عن زخارفها - وساقها إلى قوله: - فتأس بنبيك الأطهر الأطيب، فإن فيه أسوة لمن تأسى، وعزاءا لمن تعزى، وأحب العباد إلى الله تعالى المتأسي بنبيه، والمقتص لأثره، قضم الدنيا قضما، ولم يعرها طرفا، أهضم أهل الدنيا كشحا، وأخمصهم من الدنيا بطنا، عرضت عليه الدنيا عرضا، فأبى أن يقبلها، وعلم أن الله سبحانه أبغض شيئا فأبغضه، وحقر شيئا فحقره، وصغر شيئا فصغره، ولو لم يكن فينا إلا حبنا ما أبغض الله وتعظيمنا ما صغر الله، لكفى به شقاقا لله، ومحادة عن أمر الله.
ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته، فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة - لإحدى أزواجه - غيبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه - إلى أن قال: - وكذلك من أبغض شيئا أبغض أن ينظر إليه، وأن يذكر عنده.
ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يدلك على مساوي الدنيا وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه زخارفها مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال: أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال: أكرمه، فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له، وزواها عن أقرب الناس منه - الخ (2).
بيان: قوله: " لم يعرها طرفا " من الإعارة، أي لم يلتفت إليها نظر إعارة فكيف