وحوسبوا عليه، وما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه، وأقاموا فيه، فإنها عند ذوي العقول كفئ الظل، بينا تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص (1).
من مواعظ الكاظم (عليه السلام): لا تحدثون أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنه من حدث نفسه بالفقر بخل، ومن حدثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروة وما لا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنه روي: ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه (2).
تحقيق لبعض المحققين في معرفة الدنيا المذمومة والممدوحة، وحاصله أن الدنيا كلما يكون قبل الموت والآخرة تكون بعده، والعلم والعمل الواقع في الدنيا معدودان من الآخرة إذا كانا لها وأريدت منهما، وجعلا مقدمتين للوصول إلى أمور الآخرة. وحينئذ كل ما ليس لله وفي الله وفي سبيل الله، فهو للدنيا المذمومة، وما هو لله وفي الله وفي سبيل الله، فليس من الدنيا المذمومة بل هو من الآخرة.
وبعبارة أخرى: الأشياء ثلاثة أقسام: قسم لا يتصور أن يكون لله وهو المعاصي والمحذورات والتلهي باللذات النفسانية، وقسم تكون صورتها لله ويمكن أن يجعل لغير الله مثل الفكر والذكر والكف عن الشهوات، وإذا لم يكن عليها باعث سوى أمر الله فهي لله، وإن كان الغرض لتحصيل الجاه والشرف أو كان ترك ما يشتهي لحفظ المال أو الاشتهار بالزهد، فقد صار لغير الله فيكون من الدنيا المذمومة، وقسم تكون صورتها لحظ النفس كالأكل والشرب والنكاح، فإن كان القصد حظ النفس فقط فهو من الدنيا، وإن كان القصد الاستعانة على التقوى والقيام بوظائف العبودية لله فهو لله ومن الآخرة.
واعلم أن مجامع الهوى خمسة وهي ما جمعه الله تعالى في قوله: * (إنما الحياة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) *.