دار السلام. يا باذر إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا، فاستمع منه فإنه يلقي الحكمة. فقلت: يا رسول الله من أزهد في الناس؟ قال: من لم ينس المقابر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه، وعد نفسه في الموتى. يا باذر إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان، وإن الله تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في حلاله، فكيف بما نعمنا في حرامه. يا باذر، إني قد دعوت الله جل ثناؤه أن يجعل رزق من يحبني الكفاف، وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد - الخبر (1). تقدم في " دعا ": في موارد استجابة دعائه ما يتعلق بالأخير.
في وصاياه لابن مسعود: يا بن مسعود، من تعلم العلم يريد به الدنيا وآثر عليه حب الدنيا وزينتها، استوجب سخط الله عليه، وكان في الدرك الأسفل من النار مع اليهود والنصارى - إلى أن قال: - ومن تعلم العلم ولم يعمل بما فيه حشره الله يوم القيامة أعمى. ومن تعلم العلم رياءا وسمعة يريد به الدنيا، نزع الله بركته، وضيق عليه معيشته، ووكله الله إلى نفسه. ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك، قال الله تعالى:
* (من كان يرجو لقاء ربه) * - الآية - إلى أن قال:
يا بن مسعود، احذر الدنيا ولذاتها، وشهواتها وزينتها، وأكل الحرام والذهب والفضة والمراكب، والنساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا - إلى أن قال:
يا بن مسعود، الدنيا ملعونة ملعون من فيها ملعون من طلبها وأحبها ونصب لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك) * وقوله: * (كل شئ هالك إلا وجهه) * - إلى أن قال:
يا بن مسعود، دع نعيم الدنيا وأكلها وحلاوتها، وحارها وباردها، ولينها وطيبها، والزم نفسك الصبر عنها، فإنك مسؤول عن ذلك كله - الخبر (2).