والأعيان التي تحصل منها هذه الأمور أمتعة الدنيا، وقد جمعها قوله تعالى: * (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين) * - الآية. والشغل بها حب الشهوات باطنا وتحصيلها ظاهرا، وعلاج حبها معرفة الرب والنفس وشرف الآخرة وخساسة الدنيا والتنافي بينهما، ويعلم أن هذه الأعيان لم تخلق إلا لعلف الدابة التي تسير بها إلى الله تعالى، وأعني بالدابة البدن، فإنه لا يبقى إلا بمطعم وملبس ومسكن، كما لا يبقى الإبل في طريق الحج إلا بعلف وماء وجلال. ومثال العبد في نسيانه نفسه ومقصده، مثال الحاج الذي يقف في منازل الطريق ويشتغل بعلف الدابة وتنظيفها وكسوتها أنواع الثياب والجلال حتى تفوتها القافلة وهو غافل عن الحج، فيبقى في البادية هالك، والحاج البصير لا يشتغل بأمور الجمل إلا القدر الذي يتقوى به إلى السير إلى المقصد، وكذلك البصير في سفر الآخرة لا يشغل بأمور البدن إلا بقدر الضرورة ويعلم أن أكثر ما يشغل الناس عن الله البدن (1).
والإشارة إلى طوائف الناس في الدنيا وتحصيلها (2).
قال العلامة المجلسي: إعلم أن الدنيا تطلق على معان:
1 - حياة الدنيا وهي ليست بمذمومة على الإطلاق، بل المذموم منها أن يحب البقاء للمعاصي والأمور الباطلة وطول الأمل والأغراض الباطلة، فهو مذموم، ومن يحب البقاء للطاعات وكسب الكمالات وتحصيل السعادات، فهو ممدوح، وهو عين الآخرة. قال سيد الساجدين (عليه السلام): عمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك.
2 - الدينار والدرهم وأموال الدنيا وأمتعتها، وهذه أيضا ليست بمذمومة على الإطلاق بل المذموم منها ما كان من حرام أو شبهة أو وسيلة إليها وما يلهي عن ذكر الله عز وجل. وبالجملة المذموم من ذلك الحرص عليها وحبها وشغل القلب بها، والبخل بها في طاعة الله، وأما تحصيلها لصرفها في مرضاة الله وتحصيل