والحاصل: أنه بعد أن ظهرت عليهما هذه الأعراض لم تعد الجنة هي المكان المناسب لحياتهما. فكان لا بد لهما من الهبوط إلى مكان آخر يناسب الجسد، وحالاته، حيث أضحى بحاجة إلى ما يسد الجوع ويشفي من المرض، ويرفع العطش، ويقي من الحر والبرد، ويؤمن من الخوف، ويدفع أسباب الحزن والتعب، وما إلى ذلك.
ولعل بعض الروايات قد قصدت هذا المعنى حيث أشارت إلى أمر الخلقة وتحولاتها، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله:
(فلما اسكنه الله الجنة، وأتى جهالة إلى الشجرة، أخرجه الله، لأنه خلق خلقة، لا يبقى إلا بالأمر والنهي، والغذاء، واللباس، والا... والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضره إلا بالتوفيق من الله..) (1) ثم تذكر الرواية تفاصيل ما جرى له مع إبليس..
وفي نص آخر عن أبي جعفر (ع)، عن رسول الله (ص): أن آدم عليه السلام قال مخاطبا ربه:
(وبدت لنا عوراتنا، واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا، ومطعمها، ومشربها) (2).
وعن الإمام الصادق (ع): (لما هبط بآدم (ع) إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب، فشكا إلى جبرئيل إلخ) (3).
فتجد أن هذه الروايات تشير إلى أن أكلهما من الشجرة هو الذي اضطرهما إلى الطعام والشراب واللباس.. وأيقظ غرائزهما، فاحتاجا إلى النكاح..
وربما يكون في قوله تعالى: (ينزع عنهما لباسهما (إشارة أخرى إلى ذلك أيضا.
11 - وأما بالنسبة لمعنى توبتهما التي تحدث عنها الكتاب الكريم، فلعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن المقصود بها هو عودتهما إلى الله سبحانه بعد أن أحسا أنهما الآن بأمس الحاجة إلى عونه، وإلى تدبيره فالتجأ إلى الله، وعادا إليه يطلبان منه أن يعود عليهما بإحسانه وفضله، وعونه في مواجهة هذه المشكلات الجديدة، ورفع تلك الحاجات، وخشعا إليه وخضعا، وابتهلا، فاستجاب لهما لأنه هو مصدر اللطف والرزق والشفاء وستر جميع النواقص، وسد سائر الثغرات.