وذلك يفيد، أن المراد من قوله تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (- إن كانت الآية تتحدث عما جرى بين آدم وإبليس - أن المراد بالنسيان هو أنه قد عمل عمل الناسي، بأن ترك الأمر وانصرف عنه، كما يترك الناسي الأمر الذي يطلب منه.
لكن الظاهر من الرواية المتقدمة هو: أن آدم (ع) لم ينس نهي الله عن الشجرة، كما أنه قد روي عن الإمام الصادق (ع) ما يدل على أن نسيان العهد في هذه الآية لا يرتبط بالنهي عن الشجرة، بل هو يرتبط فيما أخذ عليه في الميثاق.. وللبحث في هذه الآية مجال آخر.
6 - قد ذكرنا أن ما فعله آدم لم يكن تمردا على إرادة الله ولا كسرا لهيبته، بل ما فعله (ع) يشبه مخالفة المريض لأمر الطبيب الذي نهاه مثلا عن المشي لمدة ساعة وأعطاه دواء، فظن المريض المشي دواء له كما أن الدواء يقوم بمهمة المشي ويؤدي وظيفته، لكن المشي ساعة هو الأسرع في تحقيق الغرض من الدواء الذي يحتاج إلى عشرة أيام، فآثر المريض أن يتحمل مشقة المشي ليحقق غرض الطبيب وليفرح بالشفاء العاجل. وإذ بالنتيجة تكون عكسية حيث يظهر للمريض أن المشي ليس هو الدواء بل هو سبب الداء.
فيصح القول بأنه عصى أمر الطبيب، وإن لم يكن الطبيب سيدا له ولا نشأ أمره من موقع السيادة، بل من موقع الإرشاد والنصيحة، ولا تستحق مخالفة النصيحة، ولا مخالفة أمر الناصح أية عقوبة.
7 - إن إقدام آدم (ع) على الأكل من الشجرة، وكل ما جرى له عليه السلام، قد جاء ليثبت أهلية آدم (ع) للنبوة، وامتلاكه للمواصفات التي تحتاجها في أعلى درجاتها، تماما كما حصل لموسى (ع) مع الخضر (ع). إذ إن ما كان يطمح إليه آدم (ع) ويطمع به لم يكن أمرا دنيويا، ولذة عاجلة، كالسلطة، والمال، والجاه، والنساء، والمأكل، والملبس، وما إلى ذلك، بل كان طموحه منسجما مع شخصيته الإيمانية والنبوية، وهو أن يعيش مع الله سبحانه وتعالى، وأن يكون خالصا له. وأن يستأصل من داخله حتى ميوله وغرائزه الذاتية التي من شأنها أن تشده إلى أمور أخرى، ليصبح تماما كما هو الملاك