ومن مظاهر هذه الاستجابة ما تجلى في قوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ((1).
فهي إذن ليست على حد توبة العصاة والمتمردين، بل هي بمعنى الالتجاء من موقع الإحساس العميق بالحاجة إلى اللطف والعون.
12 - وبعد أن اتضح لزوم أن يبادر آدم عليه السلام إلى الأكل من سنخ الشجرة، وفقا للمعطيات التي توفرت لديه.. فإنه يبقى سؤال آخر يلح بطلب الإجابة، وهو: أن الله قد حذره من إبليس، ومن أن يخرجه من الجنة. فكيف قبل منه قوله؟!
ونقول في الجواب:
أولا: إننا نجد في الروايات، ما يدل على أن آدم وحواء عليهما السلام لم يعرفا أن مخاطبهما هو إبليس، لأن إبليس كان قد خاطبهما من بين لحيي حية وكان آدم (ع) وحواء يظنان أن الحية هي التي تخاطبهما، وأن إبليس قال لهما: إن الله قد أحل لهما تلك الشجرة بعد تحريمها عليهما، لما عرف سبحانه من حسن طاعتهما، وتوقيرهما إياه. وجعل لهما علامة على صحة قوله: أن الملائكة الموكلين بالشجرة لا يدفعونهما عنها كما يدفعون غيرهم عنها. ولم تدفعهما الملائكة عنها لأنهم كانوا موكلين بدفع من لا يملك اختيارا وعقلا (2). فإذا صحت هذه الرواية فلا يبقى إشكال في القضية بمجملها.
ويلاحظ هنا: أنه تعالى قد قال لهما: (إن هذا عدو لك ولزوجك (فحدد له العدو، وأراه إياه، وجسده له. ولم يقل له: إن إبليس عدو له. وحين تخفى عنه، فإن آدم (ع) لم يخاطب الذي أخبره الله بعداوته، بل خاطب مخلوقا آخر هو الحية.
وربما يؤيد ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قال: فوسوس إليه الشيطان، قال: يا آدم.. الخ، فإن الآية تشير إلى وجود التفاف وتمويه في أسلوب التعاطي، ليصبح التعبير بالوسوسة التي تعني إلقاء الكلام من طرف خفي.. وليس الخفاء إلا في إخفاء إبليس لنفسه عنه بطريقة أو بأخرى.. ليصبح كلامه معه، وكأنه