مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون. أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فتخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) *. فانظر إلى قوله في صدر الآية التي الموعظة فيها سمعية: * (أولم يهد لهم) * ولم يقل: " أولم يروا " وقال بعد ذكر الموعظة: * (أفلا يسمعون) *; لأنه تقدم ذكر الكتاب وهو مسموع أو أخبار القرون وهو كما يسمع. وكيف قال في صدر الآية التي موعظتها مرئية:
* (أولم يروا) *. وقال بعدها: * (أفلا يبصرون) * لأن سوق الماء إلى الأرض الجرز مرئى.
ومنه قوله تعالى: * (قالوا: يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد) *، فإنه لما تقدم ذكر العبادة والتصرف في الأموال كان ذلك تمهيدا تاما لذكر الحلم والرشد، لأن الحلم الذي يصح به التكليف والرشد حسن التصرف في الأموال، فكان آخر الآية مناسبا لأولها مناسبة معنوية، ويسميه بعضهم ملاءمة.
ومنه قوله تعالى: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) *; فإنه سبحانه لما قدم نفى إدراك الأبصار له عطف على ذلك قوله: * (وهو اللطيف) * خطابا للسامع بما يفهم; إذ العادة أن كل لطيف لا تدركه الأبصار، ألا ترى أن حاسة البصر إنما تدرك اللون من كل متلون والكون من كل متكون، فإدراكها إنما هو للمركبات دون المفردات، ولذلك لما قال: * (وهو يدرك الأبصار) * عطف عليه قوله: * (الخبير) *.
مخصصا لذاته سبحانه بصفة الكمال; لأنه ليس كل من أدرك شيئا كان خبيرا بذلك الشئ، لأن المدرك للشئ قد يدركه ليخبره، ولما كان الأمر كذلك أخبر سبحانه وتعالى