لا يحس بأن أحدا يدفعه إلى الأكل من الشجرة، فإن الحية بحسب الظاهر قد أخبرته بأن في هذه الشجرة ثلاث خصوصيات، ولم تطلب من آدم (ع) أن يأكل منها بصراحة. وقد جاءت هذه الخصوصيات بحسب نتيجة التحليل الذي انطلق منه آدم عليه السلام من موقع إيثاره رضى الله سبحانه، وشوقه إلى مقامات القرب منه حسبما أوضحناه - جاءت لتمثل العناصر التي ارتكز إليها قرار آدم عليه السلام بالأكل من سنخ الشجرة المنهي عنها.
وثانيا: إنه إنما أكل من شجرة أخرى تشبه الشجرة التي نهي عنها بالإشارة الحسية إلى الخارجي، فلا يرى أنه قد عصى أمر الله الذي انصب على شجرة محددة بكلمته هذه. ولأجل ذلك جاء تعبير إبليس بكلمة تلكما التي أشارت إلى الشجرة البعيدة عنها والمحددة لها بشخصها، والوصف، والإغراء، إنما وقع بهذه الشبيهة لا بتلك التي نهاه الله عنها مباشرة.
وثالثا: يقول الله عز وجل عن إبليس: (وقاسمهما إني لكما من الناصحين (وقد صرحت روايات عديدة عن الأئمة عليهم السلام، بأن آدم عليه السلام إنما تقبل قول إبليس لأنه أقسم له، قال آدم (عليه السلام): إن إبليس حلف بالله أنه لي ناصح، (فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا) وهذا المعنى قد ورد في عدة روايات (1).
ولعل السر في ذلك هو: أن الحلف بالله معناه إيكال الأمر إلى الله، وجعله في عهدته، والقبول بأن يكون سبحانه هو المتولي للتوفيق للصادق، ولإنزال العقوبة بالكاذب والتعويض على من يلحقه الضرر نتيجة ذلك..
وقد جاء التعبير ب: (قاسمهما (ربما ليشير بذلك من خلال إيراده بصيغة المفاعلة إلى مشاركة من قبل آدم (عليه السلام) وحواء في الوصول إلى هذا القسم ولو عن طريق اشتراطهما للعمل بالنصيحة أن يقسم لهما على صدقه وصحة ما يقول.. ولعلهما قد أقسما أن لا يعملا بنصيحته إلا إذا أقسم لهما على أن يقول الحق والصدق في محاولة منهما لإلجائه إلى جعل الأمر بين يدي