ولعل هذا الذي ذكرناه هو السر في أن إبليس لم يتحدث لحواء وآدم (ع) عن الملذات التي يندفع إليهما الإنسان بدافع غريزي أو شهواني، كالطعام والشراب والنكاح وما إلى ذلك. بل تحدث لهما عن الملك الذي لا يبلى، وعن الحصول على صفة الملائكية وعن الخلود في كنف الله سبحانه وتعالى.
8 - إن من يراجع الآيات يجد: أن الله سبحانه حين نهاهما عن الاقتراب من الشجرة لم يقل لهما إني أعذبكما عذابا أليما، أو فتكونا من العاصين، ليكون في ذلك إشارة إلى أن في الاقتراب منها هتكا لحرمة المولى، وجرأة على مقامه وتعديا عليه وتمردا على إرادته، وكسرا للهيبة الإلهية، بل قال لهما: (فتكونا من الظالمين (وهو تعبير يمكن فهمه على أن المقصود منه صورة ما لو كان الظلم للنفس، ولو بأن يحملها فوق ما تطيقه، بحسب العادة، كأن يحملها خمسين كيلو بدلا من عشرين مثلا وهذا بطبيعة الحال سيرهقها ويشق عليها، ويتعبها.
ويمكن فهمه أيضا في صورة الظلم للناس والمعنى الأول هو الذي أراده الله سبحانه حين خاطب آدم عليه السلام بهذه الكلمة.
فلا يلام آدم (ع) إذن إذا حمله على معنى ظلم النفس، بإرهاقها في أمر تكون نتيجة المعاناة فيه محققة لا محالة لآماله وطموحاته - كنبي - وهي التخلص من كل الغرائز والدواعي التي قد يجد فيها عائقا عن الوصول إلى الله، ثم الخلود على صفة الملائكية في طاعته وعبادته سبحانه، لا الخلود من حيث هو شهوة بقاء خصوصا إذا حصل على القدرات، والملك الذي لا يبلى الذي من شأنه أن يوصله إلى الطاعات بصورة أيسر وأكبر وأكثر.. وإلى الأبد، وليس إلى مدة محدودة.
9 - ثم إن الله سبحانه قد قال لآدم وزوجه: (لا تقربا هذه الشجرة (و (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة (فكلمة هذه وتلكما.. تشيران إلى أن ثمة عناية إلهية في بيان أن المنهي عنه أمر محدود وخاص وجزئي بعينه، ولم يتعلق النهي بالطبيعة الكلية، ولا كان الحكم الصادر من قبيل الأحكام الشرعية العامة.
ولأجل ذلك ورد في الحديث الشريف عن الرضا (ع) أنه قال للمأمون:
((ولا تقربا هذه الشجرة (وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فتكونا من الظالمين (، ولم يقل لهما: لا تقربا هذه الشجرة ولا ما كان من جنسها، ولم يقربا تلك الشجرة،