والعجز عن فهم الأمور التي توهم ذلك في ظاهرها الساذج لا يبرر نسبة أمور كهذه لأنبياء الله.
33 - وكذلك الحال تماما بالنسبة لخوف إبراهيم (ع) من ضيوفه، فإنه خوف الحذر الواجب، لا خوف الضعف، والجبن.
34 - وخوف موسى (ع) في موقف التحدي مع السحرة إنما هو على الناس من أن يقعوا فريسة الوهم، ويؤثر بهم هذا الخداع، فهو خوف على الرسالة، وعلى الناس لا خوف الجبن، والانهزام، والضعف، كما يقوله هذا البعض.
35 - وفي مقام الجواب عن استدلاله بآيتي الأنعام: (قل: لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحى إلي (وقريب منها في سورة هود.
نقول: إنه إذا كانوا يريدون من خلال إثبات هذه الأمور للأنبياء عليهم السلام التأكيد على عدم بشريتهم، فإنه لا مجال لقبول ذلك منهم، إذ يلزم من هذا القبول بتضليل الناس وسوقهم لاعتقاد أمور فاسدة في حق الأنبياء (صلوات الله عليهم).
فالمراد إذن نفي ما يكون من هذه الصفات ملازما لعدم كون الرسول بشرا، أي نفي صفة علم الغيب مثلا من حالاته الذاتية التي لا صلة لها بالله، فإن بعضهم كان يعبد الملائكة، وبعضهم يعتقد أن للملائكة قدرات خارقة، وعلم غيب ذاتيا فيهم، لا صلة له بالله.
إذن، فلا يريد الله أن يقول في هذه الآية: إن نبيه لا يملك طاقة ذاتية كان الله سبحانه قد أفاضها عليه، بل يريد أن ينفي ما يلزم منه عدم بشرية الرسول، أي أنه يريد أن يقول: إنه لا يقول لهم مثلا إنه يعلم الغيب بطريقة ذاتية لا صلة لها بالله بحيث تجعله من غير البشر، بل الغيب الذي يعلنه سواء كان قدرة أم غير قدرة هو من فيض الله عليه واعطائه له مع كونه لا يزال بشرا.
36 - قوله:
" إن دفع الخير وجلب الشر كان يحصل بصورة تدريجية من دون أن يكون هناك طاقة في ذات الرسول تؤثر في ذلك.. "