وقد عرفنا:
أولا: إن القرآن لم يؤكد شيئا من ذلك، بل هو يتحدث عن نفي العلم الذاتي المنقطع، والمستقل بنفسه من الله، حيث يريد الكفار إثبات هذا الامر ليثبتوا أن الأنبياء ليسوا من البشر، بل هم موجودات أخرى تنال الغيب بقدراتها الذاتية من دون حاجة إلى الله سبحانه.
ولا أقل من أن ذلك محتمل احتمالا قويا، فلا يبقى ثمة لديه ما يصلح لأن يكون قرينة على ما يقول.
ثانيا: إن ظاهر هذه الآية هو الاستثناء المتصل، وثبوت كونه منقطعا يتوقف على ثبوت ما يدعيه هذا البعض بصورة قاطعة، وثبوت ما يدعيه يتوقف على كون الاستثناء منقطعا.. إذ لو لم يكن كذلك لدل القرآن على أن الأنبياء يعلمون الغيب وذلك بهذه الآية بالذات.
وبعبارة أخرى: إنه إذا كان المستثنى منه صالحا للانطباق على المستثنى، فلا بد من الحكم باتصال الاستثناء، ولا يحكم بكونه منقطعا إلا بقرينة، ولا يستطيع هذا البعض نفي علم الأنبياء بالغيب قرآنيا إلا إذا ثبت عدم دلالة هذه الآية على ذلك وأن الاستثناء منقطع، أما الآيات الأخرى فلم يثبت فيها ذلك، ومن الواضح أن كون الاستثناء منقطعا يتوقف على إثبات أن القرآن ينفي علم الأنبياء بالغيب، ونفي علم الأنبياء بالغيب يتوقف على كون الاستثناء منقطعا.
وقد عرفنا: أن جميع ما استدل به من آيات لا يدل على مطلوبه، وهو نفي فعلية العلم بالغيب.. بل هي ناظرة إلى نفي الاستقلال في مقابل التبعية حسبما أوضحناه.
41 - ثم إنه قد حسم الأمر في نهايات كلامه حين أكد نفي الولاية التكوينية:
" لأن الدليل لم يدل عليه - حسب فهمنا القاصر " على حد تعبيره..
ولكن.. كيف نقبل ذلك منه، وهو نفسه يقول:
" إن النفي يحتاج إلى دليل كما الإثبات يحتاج إلى دليل.. "