الذي لم يتقيد بشيء مما يوحي بأن المسألة تشمل كل شيء يريد الرسول أن يعلمه من الغيب ويفسرون ما حكي من كلامه تعالى من أن إنكارهم العلم بالغيب أريد به نفي الأصالة، الاستقلال دون ما كان بوحي، ولكننا نحتمل أن يكون قوله تعالى: (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (إشارة إلى الغيب الذي يظهر عليه من ارتضى من رسله، وهو الجو الملائكي الذي يحميه من الشياطين، فيطردهم عنه ويعصمه من وساوسهم وتخاليطهم، حتى يبلغ ما أوحي به إليه، فليست الآية في مقام الحديث عن علم الرسول للغيب بل عن حمايته بطريق الغيب، فكأنه بداية كلام جديد في الحديث عن مهمة الرسل في إبلاغهم رسالات ربهم واطلاعه عليهم وحمايته لهم، وذلك على أسلوب الاستثناء المنقطع، لأن مثل هذا الاستثناء - على حسب ما يرى هؤلاء - يتنافى مع الأسلوب القرآني الذي يؤكد نفي علم الأنبياء بالغيب، الذي لم يكن واردا على سبيل نفي الاستقلال - كما ذكر - بل على نفي الفعلية بحسب الواقع الفعلي الذي يعيشه في حياته، وفي مهمته الرسالية.
وخلاصة الفكرة أن هناك فرقا بين علم الغيب كملكة تدخل في نطاق التكوين الذاتي للنبي - في خصوصية نبوته - وهذا ما ينفيه الظاهر القرآني، سواء ذاك المتصل بأخبار الماضين، والذي يمكن إدراجه تحت عنوان علم الغيب، حيث ثمة إشارة واضحة في القرآن الكريم أن أنباءه هي من وحي الله تعالى، أو ذاك المتصل ببعض موارد الحاجة اليه في موارد معينة، فيلهمه الله تعالى إياه إلهاما، فهذا ما لا ينفيه النص القرآني، بل قد تؤكده بعض الآيات، وقد وردت أحاديث متنوعة في علم الأنبياء والأئمة بالغيب، وهي موضع جدل علمي، وربما نتعرض لها في ما يأتي في حديث الغيب في آيات القرآن.
ومن خلال هذا الحديث الطويل نستطيع أن نخرج بالفكرة التي تنفي الولاية التكوينية بمعناها التكويني الذي منحه الله للأنبياء وللأئمة، لأن الدليل لم يدل عليه - حسب فهمنا القاصر - ولكن يبقى - في المسألة أن الله يمنح الأنبياء الفرصة التي يواجهون فيها تحديات الكفر بالمعجزات عند الحاجة إليها، والله العالم " (1).
ويقول البعض أيضا في موضع آخر عن علم الأنبياء ونفي ولايتهم التكوينية ما يلي:
" وقد جاء ذلك في قوله تعالى: (قل: ما كنت بدعا من الرسل، ولا أدري ما يفعل بي ولا بكم إن اتبع إلا ما يوحى إلي، إن أنا إلا نذير مبين ((الأحقاف: 9) فإنها تدل على نفي فعلية علم الغيب في واقع الذات، وحصر المسألة فيما يأتيه من الوحي. فهو