هذه علامات استفهام تطوف في الذهن، فلا نجد لها جوابا إيجابيا يؤكد النظرية، فنحن نعلم أن دور الأنبياء هو دور تبشير وإنذار وتبليغ، وإذا كان لهم دور تنفيذي فإنهم يتحركون فيه من خلال الوسائل العادية المطروحة بين أيديهم في الحالات العادية، فإذا جاء التحدي الكبير الذي يحول الموقف إلى خطر كبير على الرسالة والرسول، بحيث كانت الوسائل العادية ذات مردود سلبي على الموقف والموقع، لأنها تجعل القضية في حالة الضعف الشديد، فإن المعجزة عندئذ تتحرك لتحفظ توازن الرسالة في موقع الرسول، وتصدم واقع الكافرين بالصدمة القوية القاهرة التي ترد كيدهم وتهدم كيانهم وتؤدي بهم إلى الضعف والهزيمة. كما في طوفان نوح (عليه السلام) ونار إبراهيم (عليه السلام)، وعصا موسى (عليه السلام)، أو يده البيضاء، وفلق البحر له، وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه، والأبرص لدى عيسى (عليه السلام)، وقرآن محمد (ص)، وتنتهي المسألة عند هذا الحد فتكون بمثابة قضية في واقعة، وتعود الرسالة إلى مجراها الطبيعي، ويعود الرسول إلى الوسائل العادية، ويتحرك الصراع من جديد ليعيش النبي هنا، وهناك أكثر من مشكلة، وهم وبلاء، فيتحمل الألم القاسي، ويواجه التحديات الصعبة، كأي إنسان آخر من دون أن يبادر إلى أية وسيلة غير عادية للتخلص من ذلك كله.
أما التشريف، فإنه لا يتمثل في إعطاء القدرة من دون قضية، أو توسيع السلطة من دون مسؤولية، والله يشرف أنبياءه من خلال رفع درجتهم عنده من خلال تقريبهم إليه، ومحبته لهم، وعلو مقامهم في الآخرة، أما الدنيا فلا قيمة لها عنده، ولذلك لم يجعلها أجرا لأوليائه بل أتاح الفرصة الكبرى فيها لأعدائه.
إننا لا نجد أية ضرورة أو حاجة تفرض إعطاء الولاية التكوينية المطلقة لهم إلا بالمقدار الذي تحتاجه الرسالة في أصعب أوقات التحدي مع احتمال أنها ليست من قدرتهم، ولكنها قدرة الله بصورة مباشرة، ثم ما معنى هذه الولاية التي لا أثر لها في حياتهم من قريب أو من بعيد، ولا دخل لها في حماية رسالتهم، فلم يستعملوها في إذهاب الخطر عنهم، ولم يتحركوا بها في الانتصار لرسالاتهم، وذلك من خلال قراءة تاريخهم الصحيح كله؟
أدلة الولاية التكوينية:
الناحية الثانية: ناحية الدليل على ثبوتها من خلال النص القرآني في نطاق المعاجز الخارقة في حياة الأنبياء، فنلتقي في البداية بالنبي نوح في قوله تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر * فدعا ربه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء