فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل ولسلطانها أربض وأنصب ما كان معاوية بأبأس مني بأسا، ولا أشد شكيمة ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم وما أردت فيما فعلت إلا حقن الدم فارضوا بقضاء الله وسلموا لأمره والزموا بيوتكم وأمسكوا، أو قال: كفوا أيديكم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر).
فإذا كانوا بعد أن ذاقوا ظلم معاوية لمدة سنتين يطلبون من الإمام (عليه السلام) أن يعلن هو بطلان الصلح، فما هو حالهم في موجة الصلح؟!
ثالثا: كان الإمام الحسن (عليه السلام) على بصيرة من مجتمعه، وهو يرى أن المرحلة لا تتحمل أكثر من تسجيل الموقف الصريح من معاوية نظريا، ليكون محفوظا لأجيال المسلمين، ولمن يستفيق بعد مدة من ذلك الجيل الجبان المستسلم! لذلك بين مقام أهل بيت النبي (عليهم السلام) وكشف حقيقة بني أمية ومعاوية، وطالبه بتنفيذ شروطه، وفي نفس الوقت أعلن أنه لا يغدر ولا يتراجع عن صلحه!
كما واصل بعد الصلح وعودته إلى المدينة اعتراضه على معاوية هو والإمام الحسين (عليه السلام) وأبرار الصحابة والأمة! لكن هل ينفع مع معاوية اعتراض؟!
قال ابن خزيمة شيخ البخاري كما رواه الصدوق في علل الشرائع: 1 / 210: (قال يوسف: فسمعت القاسم بن محمية يقول: ما وفى معاوية للحسن بن علي بشئ عاهده عليه، وإني قرأت كتاب الحسن إلى معاوية يعد عليه ذنوبه إليه والى شيعة علي، فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمي ومن قتلهم معه). انتهى.
رابعا: من مظاهر الإستخذاء في أهل الكوفة في عصر الإمام الحسن (عليه السلام) أن زعماء الكوفة (وأشرافها) كما وصفتهم النصوص، بادروا إلى الخروج لاستقبال معاوية في معسكر النخيلة (العباسيات) التي تبعد عن الكوفة عدة ساعات. فواجههم معاوية بخطبة نمرودية مهينة أعلن فيها أنه لا يفي لهم بشرط، فخرسوا أمامه!