قد يقال: لماذا لم يقم الإمام الحسن (عليه السلام) على الفور بحركة مطالبة لمعاوية بالوفاء بالشروط ويضغط عليه بالرأي العام، أو لماذا لم يقم بعد فترة بعد تصريح معاوية بخيانته لتعهداته، ومواصلته سياسة سب علي (عليه السلام) واضطهاد شيعته؟!
والجواب: أن معاوية لم يعلن ذلك في الكوفة إلا بعد أن دخلها بجيش مطيع من أهل الشام، وهو يعرف أن أهل العراق قد تفككت قوتهم، وأنهم ذلوا بمعصيتهم لإمامهم (عليه السلام) فلا يستطيعون أن يواجهوه! فقرر أن يتحداهم ويذلهم!
معاوية يدخل مسجد الكوفة كان كلامه في مسجد الكوفة أسوأ من تصريحه في النخيلة، وقد دخله في نفس اليوم فتكلم ابن العاص بعد كلام الإمام الحسن (عليه السلام)، ثم تكلم معاوية فواصل غطرسته وتحديه وإذلاله لأهل الكوفة، وإعلانه عدم وفائه بشئ من شروط عهد الصلح! قال ابن الأعثم في كتابه الفتوح: 4 / 294: (وقام عمرو بن العاص فقال: يا أهل العراق! إنا كنا نحن وأنتم جميعا على كلمة هي السواء ففرق بيننا وبينكم الأهواء ثم تحاكمنا إلى الله فحكم أنكم أنتم الظالمون لنا، فتداركوا ما سلف منكم بالسمع والطاعة، يصلح لكم دينكم ودنياكم. والسلام!
ثم تكلم معاوية فقال: أيها الناس! إنه لم تتنازع أمة كانت قط من قبلنا في شيء من أمرها بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها (وهنا تلعثم فقال) إلا هذه الأمة فإن الله تعالى أظهر خيارها على أشرارها، وأظهر أهل الحق على أهل الباطل، ليتم لها بذلك ما أسداها من نعمة عليها فقد استقر الحق قراره، وقد كنت شرطت لكم شروطا أردت بذلك الألفة واجتماع الكلمة وصلاح الأمة وإطفاء النائرة، والآن فقد جمع الله لنا كلمتنا وأعز دعوتنا، فكل شرط شرطته لكم فهو مردود، وكل وعد وعدته أحدا منكم فهو تحت قدمي.