ومع ذلك، كان الإمام (عليه السلام) يقبل بعض عطاءات عبد الملك التي قد لا تزيد كلها عن ثمن جوهرة واحدة مما أعطاه! وقد سافر (عليه السلام) ذات مرة إلى الشام مع الزهري شفيعا لبعض من غضب عليهم عبد الملك من الهاشميين، فحبسهم أو وضعهم على قائمة القتل! وتأثر عبد الملك بكلامه وبكى كما مر ثم قال: (شتان بين عبد طلب الآخرة وسعى لها سعيها وبين من طلب الدنيا من أين أجابته وماله في الآخرة من خلاق، ثم أقبل يسأله عن حاجاته وعما قصد له فشفعه فيمن شفع ووصله بمال). (فتح الأبواب لابن طاووس / 169).
ومع كل ذلك فقد كان قلب عبد الملك وهواه مع رأي الحجاج في ضرورة قتل الإمام زين العابدين (عليه السلام) لخطورته على ملكه وملك أولاده، فهو صاحب نشاط عميق ضد أفكارهم وسياساتهم، وإن لم يجمع حوله أنصارا وسيوفا!
لكنه كان يتذكر لعنة يزيد التي لحقته بسبب قتل الحسين (عليه السلام)، فبقي الغالب عليه تخوفه من قتل الإمام (عليه السلام) حتى قام ابنه الوليد الطاغية أكثر من أبيه بقتله (عليه السلام).
وسيأتي الحديث عن مدى تدين عبد الملك وابنه الوليد، وأن القدر المتيقن أنه كان يعتقد بوقوع الأحداث التي أخبر بها النبي (صلى الله عليه وآله)! فعندما خرج عليه عبد الرحمن بن الأشعث في إيران تخوف أن يكون هو صاحب رايات خراسان التي أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) أن زوال ملك الأمويين على يدها! فاهتم و (أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره فقال: أما إذا كان الفتق من سجستان فليس عليك بأس، إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان)! (تاريخ الطبري: 6 / 78).
* * تم المجلد الثالث من كتاب: جواهر التاريخ ويليه المجلد الرابع إن شاء الله تعالى * *