الإمام الحسن (عليه السلام) يحرك في الأمة ثمالة شعلتها (وبلغ الحسن خبره ومسيره نحوه وأنه قد بلغ جسر منبج، فتحرك عند ذلك، وبعث حجر بن عدي فأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير، ونادى المنادي: الصلاة جامعة! فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، وقال الحسن: إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاءه سعيد بن قيس الهمداني فقال له: أخرج، فخرج الحسن (عليه السلام)، وصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه وسماه كرها، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: إصبروا إن الله مع الصابرين، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون. بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، أخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا. قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس له قال فسكتوا فما تكلم منهم أحد، ولا أجابه بحرف. فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قام فقال: أنا ابن حاتم! سبحان الله ما أقبح هذا المقام! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم؟! أين خطباء مضر أين المسلمون؟ أين الخواضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله وعيبها وعارها؟! ثم استقبل الحسن بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره، ووفقك لما يحمد ورده وصدره. قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وسمعنا لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب أن يوافيني فليواف! ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه.