قال: فغضب الناس من كلام معاوية وضجوا وتكلموا، ثم شتموا معاوية وهموا به في وقتهم ذلك وكادت الفتنة تقع، وخشي معاوية على نفسه فندم على ما تكلم به أشد الندم. وقام المسيب بن نجبة الفزاري إلى الحسن بن علي فقال: لا والله جعلني الله فداك ما ينقضي تعجبي منك! كيف بايعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف، ثم لم تأخذ لنفسك ولا لأهل بيتك ولا لشيعتك منه عهدا وميثاقا، في عقد طاهر، لكنه أعطاك أمرا بينك وبينه ثم إنه تكلم بما قد سمعت، والله ما أراد بهذا الكلام أحدا سواك. فقال له الحسن: صدقت يا مسيب! قد كان ذلك فما ترى الآن؟ فقال: أرى والله أن ترجع إلى ما كنت عليه وتنقض هذه البيعة، فقد نقض ما كان بينك وبينه! قال: ونظر الحسن بن علي إلى معاوية وإلى ما قد نزل به من الخوف والجزع، فجعل يسكن الناس حتى سكنوا، ثم قال للمسيب: يا مسيب! إن الغدر لا يليق بنا ولا خير فيه، ولو أني أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر مني على اللقاء ولا أثبت عند الوغاء، ولا أقوى على المحاربة إذا استقرت الهيجاء، ولكني أردت بذلك صلاحكم وكف بعضكم عن بعض، فارضوا بقضاء الله وسلموا الأمر لله حتى يستريح بر ويستراح من فاجر... الخ.). (وأنساب الأشراف ص 744، وترجمة الإمام الحسن (عليه السلام) من الطبقات ص 79).
أقول: هذا النص على ما فيه يكشف لنا عدة أمور:
أولا: أن معاوية دخل الكوفة بنشوة النصر والانتقام، ولم يخف نواياه في ذلك بل تعمد أن يظهرها ويعلن تشفيه بإذلال خصمه، وأنه سينتقم سينتقم!
فهو لم ينس أن محمدا جد الإمام الحسن (عليهما السلام) دخل مكة بالأمس فاتحا فأرسل نداءه إلى أهلها بالعفو العام قبل دخول رايته! فبادر أبو سفيان إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وأعلن إسلامه وحفظ دمه، بينما اضطر معاوية إلى الهرب إلى اليمن