لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول الله المعاول! وقال الله عز وجل: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله! إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله، لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك! قال: ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة يوما على بغل، ويوما على جمل! فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم!
قال: فأقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين (عليه السلام): وأنى تبعدين محمدا من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر. قال فقالت عائشة للحسين (عليه السلام): نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون قال: فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع). انتهى.
وهذا يدل على أمور مهمة، نكتفي منها بثلاثة:
الأول، أن بيتها كان بعيدا عن القبر الشريف وإلا لما احتاجت إلى الركوب. فقد شهدت المدينة بعد الفتوحات حركة عمران واسعة نصت عليها الآثار، وانتقل أكثر سكان محلاتها المكتظة إلى بيوت جديدة واسعة. وقد تقدم أن عائشة باعت بيتها هذا أو غيره إلى معاوية بمئة وثمانين ألفا. وهو غير حجرتها أيضا لأنها أوصت بها إلى عبد الله بن الزبير كما تقدم. وحجرتها هذه غير الحجرة