مع كثرة تحكمه فيهم يتنحى لهم بعض الأوقات بما يأتونه من تقصير في شفاعة أو مخالفة في الامر لا يجدون عنها وليجة فيصطنع لهم ذلك فلما قدم عليه عبد الواحد هذا بخبر الفتح وقص عليه القصص دس له أن أهل الدولة مضطربون على سلطانهم ومستبدلون به لو وجدوا وبلغ من ذلك ما حمل وما لم يحمل وأشار له بجلاء المغرب من الحامية جملة وأن دار الملك ليس بها الا كاتب حضري لا يحسن المدافعة وهو أعرف به فانتهز الفرصة ابن الأحمر وجهز موسى ابن السلطان أبى عنان من الأسباط المقيمين عنده واستوزر له مسعود بن رحو بن ماسى من طبقات الوزراء من بنى مرين ومن بنى قودر من أحلافهم وله في ذلك سلف وقد كان بعثه من قبل وزيرا للأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن حين أجاز إلى المغرب أيام استبداد أبى بكر بن غازي فلم يزل معه حتى كان حصار البلد الجديد واستيلاء السلطان أبى العباس عليها وذهب عبد الرحمن إلى مراكش فاستأذنه مسعود في الانصراف إلى الأندلس فأذن له ورجع عنه إلى فاس ثم فارقها وأجاز إلى الأندلس متودعا ومتودد الكل ومعولا على ابن الأحمر فتلقاه بالقبول وأوسع له النزول والجراية وخلطه بنفسه وأحضره مع ندمائه ولم يزل كذلك إلى أن جهزه وزيرا إلى المغرب مع السلطان أبى عنان وبعث معهما عسكرا ثم ركب السفين إلى سبتة وكانت بينه وبين شرفائها ورؤساء الشورى بها مداخلة فقاموا بدعوة السلطان موسى وأدخلوه وقبضوا على عاملها رحو بن الزعيم المكدولي وجاؤوا به إلى السلطان فملكها غرة صفر من سنة ست وثمانين وسلمها إلى ابن الأحمر فدخلت في طاعته وسار هو إلى فاس فوصلها لأيام قريبة وأحاط بدار الملك واجتمع عليه الغوغاء ونزل الدهس بمحمد ابن الحسن فبادر بطاعته ودخل السلطان إلى دار الملك وقبض عليه لوقته وذلك في عشر ربيع الأول من السنة وجاء الناس بطاعته من كل جانب وبلغ الخبر إلى السلطان أبى العباس بمكانه من نواحي تلمسان بأن السلطان موسى قد نزل بسبتة فجهز علي بن منصور وترجمان الجند وجند النصارى ببابه مع طائفة منهم وبعثهم حامية لدار الملك فانتهوا إلى تازا وبلغهم خبر فتحها فأقاموا هنالك وأغذ السلطان أبو العباس السير إلى فاس فلقيهم خبر فتحها بتاوريرت فتقدم إلى ملوية وتردد في رأيه بين المسير إلى سجلماسة من المغرب أو قصد المغرب ثم استمر عزمه ونزل بتازا وأقام فيها أربعا وتقدم إلى الركن وأهل دولته خلال ذلك يخوضون في الانتقاض عليه تسللا إلى ابن عمه السلطان موسى المتولي على فاس ويوم أصبح من الركن أرجفوا به ثم انتقضوا عليه طوائف قاصدين فاس ورجع هو إلى تازا بعد أن انتهب معسكره وأضرمت النار في خيامه وخزائنه ثم أصبح بتازا من ليلته فدخلها وعاملها يومئذ الخير من موالي
(٣٥٠)