واتصلت الفتنة بينه وبين ابن عمه صاحب بجاية وكان شديد الوطأة على أهل بلده مرهف الحد لهم بالعقاب الشديد حتى لقد ضرب أعناق خمسين منهم قبل أن يبلغ سنتين في ملكه فاستحكمت النفرة وساءت الملكة وعضل الداء وفزع أهل البلد إلى مداخلة السلطان أبى العباس باستنقاذهم من ملكه العسف والهلاك بما كان أتيح له من الظهور على أميرهم فنهض إليها آخر سنة سبع وستين وبرز الأمير أبو عبد الله للقائه وعسكر بنا مروا الجبل المطل على تاكردت وصبحه السلطان أبو العباس بمعسكره هنالك فاستولى عليه وركض هو فرسه ناجيا بنفسه ومرت الخيل تعادى في أثره حتى أدركوه فأحاطوا به وقتلوه قصعا بالرماح عفا الله عنه وأجاز السلطان أبو العباس إلى البلد فدخلها منتصف يوم العشرين من شعبان ولاذ الناس به من دهش الواقعة وتمسكوا بدعوته وآبوه طاعتهم فانجلت القيامة واستقام الامر وبلغ الخبر إلى السلطان أبى حمو فأظهر الامتعاض لمهلكه والقيام بثاره وسير من ذلك حشوده في ارتقاء ونهض يجر الأمم إلى بجاية من العرب وزناتة والحشد حتى أناخ بها وملأت مخيماته الجهات بساحتها وجنح السلطان إلى مبارزته فتمهد به أهل البلد ولاذوا بمقامه فأسعفهم وطير البريد إلى قسنطينة فأطلق أبا زيان من الاعتقال وسوغه الملابس والمراكب والآلة وزحف به مولاه بشير في عسكر إلى أن نزل حذاء معسكر أبى حمو واضطربوا محلهم بسفح جبل بنى عبد الجبار وشنوا الغارات على معسكر أبى حمو صباحا ومساء لما كان نمى إليهم من مرض قلب جنده والعرب الذين معه وبدا للسلطان أبى حمو ما لم يحتسب من امتناعها وكان تقدم إليه بعض سماسرة الفتن بوعد على لسان المشيخة من أهل البلد أطمعه فيها ووثق بأن ذلك يغنيه عن الاستعداد فاستبق إليها وأغفل الحزم فيما دونها فلما امتنعت عليه انطبق الجو على معسكره وفسدت السابلة على العير للميرة واستجم الزبون في احياء معسكره بظهور العدو المساهم في الملك وتفادت رجالات العرب من سوء المغبة وسطوة السلطان فتمشوا بينهم في الانفضاض وتحينوا لذلك وقت المناوشة وكان السلطان لما كذبه وعد المشيخة أجمع قتالهم واضطرب الفساطيط مضايقة للأسوار متسنمة وعرا من الجبل لم يرضه أهل الرأي وخرج رجل الجبل على حين غفلة فجاولوا من كان بتلك الأخبية من المقاتلة فانهزموا أمامهم وتركوها بأيديهم فمزقوها بالسيوف وعاين العرب على البعد انتهاب الفساطيط فأجفلوا وانفض المعسكر بأجمعه وحمل السلطان أبو حمو أثقاله للرحلة فأجهضوه عنها فتركها وانتهب مخلفه أجمع وتصايح الناس بهم من كل حدب وضاقت المسالك من ورائهم وأمامهم وركضت بزحامهم وتواقعوا لجنوبهم فهلك الكثير منهم
(١٢٩)