وهو المنقول عن الفارابي، بل المنقول عنه أنه سئل أنك كيف تأنس بالفقر والفاقة ولا تأنس بالناس؟ فأجاب: بأني تأملت ووجدت ما فعلت أولى.
وأما الأشعار المذكورة الدالة على مدح الاعتزال فما كان منها من أمير المؤمنين (عليه السلام) - روحي وروح العالمين له الفداء - يقيد بما كان منها دالا على مدح الاعتزال في صورة الإمكان.
وأما ما كان من غيره (عليه السلام) - روحي وروح العالمين له الفداء - فهو من باب الغفلة عن مفسدة الاعتزال، نظير ما نقله في اللطائف والظرائف، نقل من مدح بعض الحكماء بعض الأمور لبعض المصالح غفلة عن مصلحة ضده، ونقل مدح بعض آخر من الحكماء الضد لمصلحة أخرى.
وأما ما دل من تلك الأشعار على عدم صدق الأصدقاء فهو حق لا ريب فيه، لكنه لا يرتبط بمدح الاعتزال.
[ترك الاستئناس بالناس والاستشهاد بالآيات في المقام] ويرشد إلى كون علاج الإنسان في ترك الاستئناس بالناس قوله سبحانه حكاية عن داود - على نبينا وآله و (عليه السلام): - (إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (1) حيث إن مقتضاه وصول الظلم إلى الشخص ممن يعاشر معه، فالتهارب عن الظلم يقتضي ترك المعاشرة مع الناس، وقد قرر سبحانه الفقرة المذكورة: (فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) (2) كيف لا! والناس بواسطة سوء فطرهم مثل الديوك، وكلما تلاقى ديك مع ديك يتعارضان، ويخرج كل منهما الآخر ولو كان ملاقاتهما في. (3)