[آفات المعاشرة والعزلة] وكيف كان مضار الإنسان لا يحصيها ولا يحيط بها نطاق البيان، لكن الاعتزال - بعد امتناعه؛ قضية أن الإنسان محتاج إلى الغير في جهات لا تحصى، وفي كل من الجهات يحتاج إلى المعاشرة، وكذا بعد مرجوحيته شرعا - مغرس الوسواس، كما نص عليه الحكيم الشيرازي في شرح أصول الكافي. (1) وهذا من قبيل الداء الفاقدة للدواء، بل الاعتزال يقرب العقل إلى الزوال، كما قيل، ووجهه: عدم ورود الملائم على الطبيعة، حيث إن المعاشرة وإن كانت في غاية الإضرار لكنها توجب الفرح والسرور كثيرا، وقوام الروح بورود السرور، وهو غذاؤها، كما أن قوام الجسد بورود الغذاء الخارجي.
وكذا توجب المعاشرة الغفلة عن الموت، وبه قوام نظام الدنيا، والاعتزال يوجب حركة الفكر إلى جانب الموت، وهو يوجب توحش الطبيعة، فيتأدى الأمر إلى ضعف العقل.
وعن بعض الحكماء: إياكم والخلوات، فإنها تفسد العقول وتحل المعقول وتعقد المحلول، بل في بعض الأخبار أن التفكر في عاقبة الأمر يوجب الهلاكة.
وليس ما ذكر إلا من جهة كثرة شدائد هذه الدار، دار النار؛ حيث إن تحمل كل من الضدين فيها كتحمل حرارة نار الجحيم، كيف لا! وفي بعض الأخبار أن المؤمن يموت كل يوم سبعين مرة، هذه الدار يتغلغل أهلها بين أطباقها، وتلقى سكانها بآخر ما لديها من أليم النكال وعظيم الوبال، ولا يطلع على حالها وحراراتها غير الله سبحانه وأحزابه سلام الله عليهم أجمعين.
وتتضح حرارة المعاشرة بالاطلاع على حالات الإنسان، فإنه في غاية نقصان العقل، كيف لا! وقد ذكر بعض: أن عقل عشرين أو أربعين رجلا يوازن عقل شاة.