فهو أعم من الإفراط والتفريط.
قلت: حاش لله، المدار في التجاوز عن الشيء على الوصول إليه والتعدي عنه، فالمدار في التجاوز عن الحد على الوصول إليه والتعدي عنه.
وإن قلت: إنه كما يستلزم التجاوز عن التفريط إلى الإفراط الوصول إلى الحد والتعدي عنه، فكذا التجاوز عن الإفراط إلى التفريط يستلزم الوصول إلى الحد.
قلت: إن مرتبة الإفراط بعد مرتبة الاعتدال والتفريط، فلا مجال للتجاوز عن الإفراط إلى التفريط.
نعم، قد يتفق في الخارج الإفراط قبل الاعتدال والتفريط، كما لو جرى زيد في معيشته على الإفراط - [أي] على الإسراف - ثم الاعتدال ثم التفريط، لكن مرتبة الإفراط في الأول بعد مرتبة الاعتدال والتفريط. وأما التفريط فمرتبته قبل مرتبة الاعتدال والإفراط؛ فلابد في التجاوز عنه إلى الإفراط من التجاوز عن الحد، وإلا يلزم الطفرة هذا.
[بحث في الإفراط والتفريط] ولما جرى ذكر الإفراط والتفريط، فقد أعجبني شرح حالهما من باب المناسبة ومزيد الفائدة، فنقول: إنه قد اشتهر استعمال الإفراط والتفريط على وجه المقابلة والتضاد، وقد وقع التفريط في القرآن كرارا، كقوله سبحانه في سورة الأنعام: (يا حسرتنا على ما فرطنا فيها). (1) وقوله سبحانه في السورة المذكورة (ما فرطنا في الكتب من شئ) (2) وقوله سبحانه في تلك السورة: (وهم لا يفرطون) (3)