حرمة الفعل المتجرى به وعدمها واما المقام الثالث: فقد مر ان الكلام فيه في جهتين.
الأولى: في حرمته بنفس الملاك للحرام الواقعي، بان يقال ان اطلاق الأدلة الأولية شامل لموارد التجري، وان متعلق التكليف في الخطابات الأولية انما هو إرادة الفعل الخارجي المحرز كونه ذلك الفعل من دون دخل لمصادفته ومخالفته، ويكون الموضوعات هي الوجودات العلمية، لا الموجودات الواقعية فمعنى لا تشرب الخمر لا تشرب ما قطعت بكونه خمرا.
ويستدل له بما هو مركب من مقدمات، الأولى ان متعلق التكليف لا بد وأن يكون مقدورا للمكلف فما هو خارج عن تحت قدرته لا محالة يكون مفروض الوجود ولا يتعلق به الحكم، وعليه فموضوعات الأحكام ومتعلقاتها خارجة عن حيز التكليف، فلو ورد لا تشرب الخمر، تكون خمرية الخمر خارجة عن حيز الخطاب ومفروضة الوجود في هذا الخطاب. الثانية: ان المحرك للإرادة و الاختيار، انما هو القطع والانكشاف من دون دخل للمصادفة للواقع وعدمها فيه أصلا، الا ترى ان القاطع بوجود الأسد يفر وان لم يكن هناك أسد، وجود الأسد، لا يوجب الحركة نحو الفرار ما لم يقطع به. فما، افاده المحقق النائيني (ره) من أن المحرك هو العلم بالموجود الخارجي بما انه طريق إليه، - وبعبارة أخرى - الموجود الخارجي لكن لا مطلقا بل بعد الانكشاف غير تام. الثالثة: ان متعلق الإرادة التشريعية هي الإرادة التكوينية، إذا الغرض مترتب على الفعل الاختياري، لا الاضطراري، فالفعل في نفسه من حيث هو لا غرض فيه بل الغرض مترتب على اختيار الفعل، إذا عرفت هذه الأمور تعرف ان متعلق التكليف انما هو اختيار ما تعلق القطع بانطباق الموضوع، أو المتعلق عليه فعلا أو تركا، صادف الواقع قطعه أم خالفه.
وأجاب عنه المحقق النائيني (ره) بان المقدمة الثالثة، غير تامة: إذ الإرادة تكون مغفولا عنها حين الفعل ولا يلتفت الفاعل إليها، فلا تصلح لان يتعلق بها التكليف.