الموضع الثاني في التجري وقبل الشروع في البحث لا بد من التنبيه على امر، وهو ان موضوع البحث في كلمات الاعلام، وان كان هو القطع، الا ان الظاهر أنه أعم منه، ومن الامارات المعتبرة والأصول العملية، بل يعم كل احتمال منجز كالمقرون بالعلم الاجمالي، والشبهة البدوية قبل الفحص، فالأولى ان يعنون البحث هكذا إذا قام حجة أي ما يحتج به المولى على العبد على حكم، بان قطع به، أو قامت امارة معتبرة عليه، أو استصحب، أو احتمل ولم يكن له مؤمن، وخالفه العبد، ولم يكن ذلك موافقا للواقع، فيكون فعله ذلك تجريا، فلو قامت البينة على خمرية شئ أو استصحب تلك، أو علم اجمالا بخمرية هذا المايع، أو المايع الاخر فشربه ولم يكن في الواقع خمرا، كان متجريا.
ودعوى: انه في موارد الطرق والامارات الشرعية والأصول العملية يكون كشف الخلاف موجبا لانتهاء أمد الحكم الا انه يستكشف عدم الحكم من الأول فلا يتصور فيها التجري.
مندفعه، بان ذلك يتم على القول بالتصويب، واما بناءا على ما هو الحق من أن المجعول في باب الامارات والطرق الشرعية هي الطريقية والكاشفية كما ستعرف فلا يتم ذلك كما لا يخفى.
ثم إن مورد الكلام انما هو القطع الطريقي، واما القطع الموضوعي، فهو خارج عن محل البحث لأنه لو كان القطع تمام الموضوع فليس له كشف الخلاف وان كان جزء الموضوع، فكشف الخلاف وان كان يتصور فيه الا ان تنجز التكليف، انما يكون بواسطة القطع بالحكم المتعلق بما هو جزء الموضوع وجزئه الاخر فنزاع التجري انما يجرى باعتبار ذلك القطع الذي يكون طريقيا.
إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في حكم التجري من حيث، استحقاق العقاب، والقبح، والحرمة فلا بد من البحث في مقامات.