الآية الأولى من الآيات التي استدل بها للبرائة الفصل الأول: لو شك في وجوب شئ أو حرمته ولم تنهض عليه حجة، فالمشهور بين الأصحاب انه يجوز شرعا وعقلا ترك الأول وفعل الثاني، وكان مأمونا من عقوبة مخالفته، من غير فرق بين كون منشأ الشك فقدان النص، أو اجماله واحتماله الكراهة أو الاستحباب، أو الأمور الخارجية وقد استدلوا لذلك بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب بآيات.
منها: قوله عز وجل " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " (1) وتقريب الاستدلال به: ان بعث الرسل بحسب الارتكاز والفهم العرفي كناية عن ايصال الحجة والبيان، وعليه فمفاد الآية الشريفة نفى العقاب على مخالفة التكليف ما لم يصل وأورد عليه بايرادات.
الأول: ان المراد بالعذاب في الآية، العذاب الدنيوي، وهي راجعة إلى الأمم السابقة فالمستفاد منها ان عادة الله كانت جارية على عدم انزال العذاب على الأمم السالفة الا بعد اتمام الحجة عليهم فلا ربط لها بالمقام.
وفيه: ان الله تعالى اما ان يكون في مقام بيان حد رأفته بالعباد، وان العذاب قبل اتمام الحجة غير لائق بشأنه مع كونه رؤوفا، أو يكون في مقام بيان عدالته وعدم كونه ظالما. ولا ثالث: بعد ظهور، ما كنا في أن هذا الفعل لا يناسب صدوره من الفاعل كما يظهر من ملاحظة موارد استعماله وعلى كل تقدير تدل على المطلوب، بالأولوية، بعد كون العذاب الأخرى أشد من العذاب الدنيوي وكونه رؤوفا بنا كرأفته بالأمم السابقة أو أكثر.
الايراد الثاني: ان الآية الشريفة تدل على نفى الفعلية، وهو أعم من نفى الاستحقاق المطلوب اثباته في المقام.
وأجيب عن هذا بأجوبة. منها: ما عن الشيخ الأعظم (ره) وهو ان نفى الفعلية يكفي في المقام إذا الخصم يسلم الملازمة بين نفى الفعلية ونفى الاستحقاق.