بل انما يكون منشأه حب النفس، ولذا لا يختص ذلك بالانسان، بل الحيوان بما انه بفطرته يحب نفسه، يتحرك نحو ما يراه نفعا له، ويحذر عما يراه ضررا عليه، وهذا التحرك تكويني، لا بعث تشريعي.
واما القول الثالث: وهو القول بان حجية القطع انما تكون ثابتة ببناء العقلاء، والأحكام العقلائية عبارة عن القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء حفظا للنظام وابقاءا للنوع لحسن العدل وقبح الظلم والعدوان.
فيرده ان وجوب العمل على طبق القطع كان ثابتا في زمان لم يكن فيه إلا بشر واحد ولم يكن نوع ليكون العمل على طبقه لحفظه، وان شئت فاختبر ذلك بفرض نفسك ذلك البشر.
النهى عن العمل بالقطع واما المقام الثالث: فالحق عدم امكان النهى عن العمل به، وذلك لوجهين.
أحدهما: لزوم التناقض اعتقادا مطلقا، وواقعا في صورة الإصابة، - وبعبارة أخرى - المكلف لا يتمكن من تصديق النهى عن العمل به بعد تصديقه بحرمة الفعل كما لو علم بحرمة الخمر: إذ النهى عن العمل به اذن في الفعل، وهو لا يجتمع مع الحرمة - وان شئت قلت - ان الحرمة عبارة عن الزجر عن الفعل مع عدم الترخيص في الفعل، فالترخيص فيه مع الحكم بالحرمة متناقضان والمكلف بعد اذعانه بالأول غير متمكن من الاذعان بالثاني.
وقد أورد على هذا التقريب بايرادين. الأول: بأنه قد ورد النهى عن العمل بالظن القياسي حتى في حال الانسداد فإذا جاز النهى عن العمل به في حال الانسداد، جاز النهى عن العمل بالعلم في حال الانفتاح، لان الظن في تلك الحال كالعلم في هذه.
وفيه: انه ان أريد بهذا التنظير ان الظن بالحكم غير الفعلي، وان صح المنع عن العمل به، الا ان القطع به كذلك والقطع بالحكم الفعلي لا يمكن النهى عن العمل به،