في موارد ثلاثة.
اما الأول: فيرد عليه ان حكم العقل بحسن الاحتياط انما يكون بيانا للكبرى وجاريا على نحو القضية الحقيقية المتضمنة لثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع، ولا تعرض له لبيان الموضوع، فهو لا يصلح ان يكون مبينا للموضوع وسببا لامكان الاحتياط، وبالجملة على فرض عدم امكان الاحتياط في العبادات لا مورد لحكم العقل بحسنه، ولا يفيد ما دل على ترتب الثواب عليه، وان شئت قلت إنه لو ثبت الملازمة بين حكم العقل بحسن الاحتياط والامر به شرعا بما انه حينئذ يتوقف الامر على موضوعه توقف العارض على معروضه، فلا يعقل ان يكون من مبادئ ثبوته فلا امر به.
واما المورد الثاني: فملخص القول فيه ان محتملاته بعد عدم كون الامر به طريقيا كما مر ثلاثة - الأول - كونه ارشادا إلى عدم الوقوع في المفاسد الواقعية، وعدم فوت المصالح نظير امر الطبيب، ونهيه - الثاني - كونه ارشادا إلى حسن الاحتياط والانقياد عقلا - الثالث - كونه أمرا مولويا نفسيا، فان قيل إنه يحتمل كونه طريقيا استحبابا، أجبنا عنه بانا لا نتصور معنى معقولا للطريقية، التي هي عبارة عن الحكم بداعي تنجيز الواقع، غير اللزوم.
وقد اختار جماعة منهم المحقق الخراساني، والمحقق النائيني الثاني، وعللوه بأنه كالأمر بالإطاعة، وحاصله ان نفس البرهان المقتضى لعدم كون الامر بالإطاعة، مولويا، يقتضى عدم كون هذا الامر مولويا، وأوضحه المحقق النائيني - بما حاصله - ان الأحكام العقلية الواقعة في سلسلة علل الأحكام، وملاكاتها، كحكم العقل بحسن الاحسان، وقبح الظلم، تكون مستتبعة للأحكام الشرعية المولوية، وان كانت واقعة في سلسلة معاليل الأحكام وفى مرحة الامتثال، كحكم العقل بلزوم الإطاعة، لا تكون مستتبعة لها، ولو كان هناك حكم، كان ارشاديا، إذ الحكم الشرعي في نفسه لولا الحكم العقلي بالامتثال لا يكون باعثا وزاجرا، فمقام الامتثال، لا معنى لورود الحكم الشرعي فيه، والمقام من قبيل الثاني لأنه انما يكون لأجل ادراك الواقع فيكون واقعا في مرحلة الامتثال غاية الامر كونه امتثالا احتماليا.