الردع - موجود في السيرة المتقدمة.
فيدور الامر بين كونها مخصصة للعام المتأخر، بأن كان إمضاؤها وتقريرها ذا مصلحة بقول مطلق، أو كون العام المتأخر ناسخا لها لكون إمضائها ذا مصلحة ينتهي أمدها بورود العام المتأخر، وشيوع التخصيص وندرة النسخ يقوي جانب التخصيص.
فصح - حينئذ - دعوى أن السيرة تامة الاقتضاء، دون العام، لعدم بناء العقلاء على العمل به في قبال الخاص - على ما هو الصحيح في تقدم الخاص على العام من كون الخاص أقوى ملاكا لا من حيث أنه أقوى الحجتين.
نعم قد ذكرنا (1) - في مبحث حجية الخبر - أنه يصح تقديم السيرة إذا كان الردع ممكنا، ولم يردع.
وأما عدم الردع مع عدم امكان الردع، فلا يكشف عن كونها ممضاة عند الشارع ولعل زمان نزول الآيات كان أول زمان يمكن فيه الردع عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملة ونحلة، فان الردع عن مثله في أوائل البعثة لا يخلو عن صعوبة.
وأما ما ذكرناه في مبحث حجية الخبر - أن السيرة متقومة بعدم الردع حدوثا وبقاء، فهي وإن كانت تامة الاقتضاء حدوثا، الا أنها غير تامة الاقتضاء بقاء، فلا تزاحم العام - فمدفوع بأن حجية السيرة غير متقومة بعدم ورود العام بذاته، حتى لا يكون فرق بين الحدوث والبقاء، بل بعدم الردع من حيث كشفه عن اختلاف مسلك الشارع - بما هو شارع - عن مسلكه بما هو عاقل.
ومن البين أن الردع الواقعي غير كاشف عن اختلاف مسلكه بما هو شارع، بل الكاشف هو الردع الواصل.
فالعام لا يكشف عن الردع، الكاشف عن اختلاف المسالك من الأول.