وقال ابن إدريس قولا يدل على اضطرابه وهو: إن في العليا منهما ثلث الدية، وفي السفلى ثلثاها، ثم نقل كلام الشيخ في النهاية، ثم قال: إلا أنه رجع في مبسوطه إلى ما اخترناه فإنه قال: في السفلى عندنا ثلثاها، وفي العليا الثلث، وهذا هو الأظهر، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد في مقنعته، وذهب بعض أصحابنا إلى أنهما متساويتان في الدية فيهما جميعا الدية، وفي إحداهما نصف الدية، وهو قول ابن أبي عقيل في كتابه، وهو قول قوي، إلا أن يكون على خلافه إجماع، ولا شك أن الإجماع منعقد على تفضيل السفلى، والاتفاق حاصل على الستمائة دينار، والأصل براءة الذمة في ما زاد عليه، وبهذا القول الأخير أعمل وأفتي به، وهو خيرة شيخنا في الاستبصار (1).
فانظر إلى اختياره أولا من إيجاب الثلثين في السفلى، ونسبة كلام الشيخ في النهاية إلى أنه من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، ثم تقوية كلام ابن أبي عقيل، مع أنه ذكر أنه مخالف للإجماع، ثم اختياره أخيرا لما ضعفه أولا، ونسبه إلى أخبار الآحاد، وأنه الذي به يفتي وعليه نعمل، وهذا الرجل لا يبالي بتناقض أقواله واختلالها.
والوجه ما اختاره الشيخ في النهاية.
لنا: أن منفعة السفلى أكثر، فناسب ذلك كثرة ديتها وزيادتها على دية العليا. والتقدير مستند إلى رواية أبان بن تغلب، عن الصادق - عليه السلام - قال: في الشفة السفلى ستة آلاف، وفي العليا أربعة آلاف، لأن السفلى تمسك الماء (2). وفي طريقها أبو جميلة، وفيه قول، لكنها أوضح من غيرها.