" (وقلنا اهبطوا) إلى الأرض أنتما وإبليس لعصيانكم الله، وفشلكم في الإستقامة على خط أوامره ونواهيه، (بعضكم لبعض عدو (بفعل الحرب المفتوحة بينكما وذريتكما وبينه، وجنوده، لأنه يستهدف إبعادكم عن رحمة الله، وعن جنته، بينما تعملون على التمرد عليه والخروج من سلطته والسعي إلى دخول الجنة والبعد عن النار. (ولكم في الأرض مستقر (أي مقام ثابت لأن الله جعلها قرارا، (ومتاع (تستمتعون فيه في حاجاتكم الوجودية العامة والخاصة، (إلى حين (إلى الأجل الذي جعله الله لكم في مدة العمر التي حددها لكم في هذه الدنيا.
وهكذا عرف آدم، ومعه زوجته معنى الشيطان في وسوسته، وقسوة التجربة في نتائجها، وأدرك الهول الكبير الذي يواجهه في البعد عن رحمة الله، وفي الخروج من مواقع القرب إليه، ومقامات الروح في رحابه.
آدم يتوب إلى الله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات (ترتفع إلى الله من روح خاشعة خاضعة، وقلب نابض بالحسرة، والندم ولسان ينطق بالتوبة، وكيان يرتجف بالتوسل، وذلك بالإلهام الإلهي من خلال الفطرة التي توحي بالمعرفة في علاقة النتائج بالمقدمات، وفي طريقة تغيير الموقف من دائرة السلب إلى دائرة الإيجاب، ليكون التحول الإنساني في الاعتراف بالذنب والاستسلام للندم، والعزيمة على التصحيح، والرجوع إلى الله بالعودة إلى طاعته في ما يكلفه به من مهمات، وفي ما يرشده إليه من إرشادات، لأن أوامر الله الإرشادية تتصل بمحبته لعبده لئلا يقع في قبضة الفساد، كما تتصل أوامره المولوية بحرصه عليه في البقاء في خط الإستقامة، وابتعاده عن خط الانحراف الذي يؤدي إلى الزلل ويقوده إلى الهلاك.
ولكن ما هي هذه الكلمات؟
إن الرجوع إلى القصة في سورة الأعراف يوحي بأن آدم الذي انطلق نحو التوبة في عملية تكامل مع حواء، وقف معها ليقولا في توبتهما (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ((الأعراف: 23) ويبدو من خلال هذه الآية، أن التوبة كانت قبل الهبوط إلى الأرض، بعد التوبيخ الإلهي والتذكير لهما بأن سقوطهما في التجربة الصعبة لم يحصل من حالة غفلة، لا تعرف الطريق إلى الوعي، بل كان حاصلا بعد التحذير الإلهي من الأكل من الشجرة، ومن الشيطان، باعتباره عدوا لهما، وذلك قوله تعالى: