يتخفف كثيرا من أحلامه، لمصلحة الكثير من أفكاره ومواقفه الثابتة في الحياة.
(فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما) فيما يعنيه ذلك من الإحساس بالعري الذي لا يغطيه شيء، فيما يعيشان الشعور معه بالعار والخزي في الوقت الذي كانا يتحركان ببساطة من دون مراعاة لوجود شيء في جسديهما يوحي بالستر، لأن مسألة الخطيئة في أفكارها وأحلامها لم تكن واردة في منطقة الشعور لديهما.. ولهذا كانا لا يشعران بوجود عورة.. لأن ذلك هو وليد الشعور بالمنطقة الخفية من شخصية الإنسان فيما يختزنه في داخله من أفكار وأحاسيس كامنة في الذات. (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) في عملية تغطية وإخفاء وتخلص من العار (وعصى آدم ربه فغوى) وابتعد عن خط الرشد الذي يقود الإنسان إلى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ولكن هذا الانحراف الطارئ البسيط لم يكن حالة معقدة في عمق الذات تفرض عليه الاستسلام للخطيئة كعنصر ذاتي لا يملك الإنفكاك منه بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تثوب إلى رشدها لتدخل في عالم الاستقامة من جديد..
إلى أن قال:
(ثم اجتباه ربه) واصطفاه إليه واختاره لنفسه فلم يتركه ضائعا حائرا في قبضة فرعون.. (فتاب عليه) ورضي عنه (وهدى) وفتح له أبواب رحمته، ودله على الطريق المستقيم وأراده أن يواجه الحياة من مواقع قوة الإرادة في ساحة الصراع مع الشيطان، ولعل الله سبحانه أراد أن يجعل له من تجربة العصيان في الجنة، فترة تدريبية يمارس فيها حركة الوعي للجو الشيطاني الذي يتحرك فيه الكذب والغش والدجل والخيانة والرياء.. ليختزن الفكرة قبل أن ينزل إلى الأرض التي أعده الله ليكون خليفة له فيها، فيستفيد من تجربة سقوطه وخروجه من الجنة على أساس ذلك، كيف يعمل على أن يتفادى السقوط في الأرض أمام الشيطان الذي غره من موقع العقدة الشيطانية المستعصية، وكيف يجعل من دوره الرسالي، موقع قوة للحياة وللإنسان لا موقع ضعف. وهكذا أراد الله له أن يعيش الشعور برضا الله عنه وهدايته له فيما يريد له أن يتحرك فيه.. " (1).
ويقول أيضا:
".. قد يثور أمامنا سؤال: إننا نعرف في قصة خلق آدم، في حوار الله مع