الملائكة، أن الله قد خلقه للأرض ولم يخلقه ابتداء ليعيش في الجنة، فكيف نفسر هذا الأمر الذي يوحي بأن الجنة كانت المكان الطبيعي له لولا العصيان؟ والجواب عن ذلك.. هو أن الأمر الإلهي كان جزءا من عملية التدريب الإلهي المرتكزة على فكرة الربط بين الجنة والطاعة في وعي الإنسان مع علم الله بأنه لن ينجح في الامتحان، فكان تقديره في خلقه للأرض من اشتراط البقاء في الجنة بشرط غير متحقق، فلا منافاة بين الأمرين.
وقد نستوضح الصورة في إطار الفكرة الأصولية التي يبحثها علماء الأصول في موضوع صيغة الأمر.. وهي أن دوافع الأمر قد تختلف، فقد يكون الدافع له هو إرادة حصول الفعل من المأمور وقد يكون الدافع هو امتحان اخلاص المأمور وطاعته، أو إظهار قوة إيمانه وإخلاصه، من دون أن يكون هناك أي غرض يتعلق بالفعل، كما نلاحظه في أمر الله لإبراهيم بذبح ولده، لا لأن الله يريد ذلك (ولذلك رفعه قبل حصوله) بل ليظهر عظمة التسليم المطلق لله في سلوك الأب والابن ليكونا مثلا وقدوة للناس، وقد يكون الداعي أمرا آخر، وهو تدريب الإنسان على مواجهة حالات السقوط بتعريضه لتلك التجربة ليتنبه إلى أمثالها في المستقبل كما في حالة آدم (ع). ونحن لا نجد أي مانع عقلي في ذلك بل هو واقع كثيرا في أفعال العقلاء وأساليبهم في الأوامر والنواهي..
ولا مجال للاعتراض هنا بأن الله كلف آدم بما يعلم أنه لا يمتثل من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به، أولا، لأن العلم بعدم الامتثال لا يمنع من التكليف أساسا باعتبار أن العلم معلول للمعلوم وليس الأمر بالعكس.. وثانيا: أن التكليف لم يستهدف حصول الفعل، بل استهدف وعي التجربة المستقبلية من خلال التجربة الحاضرة وعلى ضوء هذا نجد أن الأمر هنا يشبه الأمر في قصة إبراهيم ولكن بطريقة متعاكسة في الموضعين.
التوبة ومدلولها في حياة الإنسان (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم..) إنه هو: لعل في هذه الآية بعض الدلالة على أن الموقف كله في قضية آدم كان تدريبا من أجل أن يعي الإنسان في مستقبل حياته كيف تتحرك الخطيئة في نفسه وكيف تدفعه بعيدا عن الله.. فقد عالجت هذه الآية قضية التوبة، ووضعها في نطاق الأشياء المتلقاة من الله مما يوحي بأن آدم لا يحمل أية فكرة فطرية عنها، فكان الإيحاء والإلهام من الله من اجل أن يتعلم كيف يتراجع عن الخطأ فلا يستمر