الانحراف بتسويل إبليس الذي يحمل له أكثر من عقدة منذ إبعاده عن رحمة الله بابتعاده عن الاستجابة لأمره بالسجود لآدم.. في الوقت الذي لم يحمل له آدم أي شعور مضاد.. ولكن آدم لم يتعمق في وعي الموضوع، ولم يأخذ مأخذ الجدية والاهتمام، وبقي مستمرا على خط العفوية والبساطة الصافية في مواجهته للأشياء (فنسي) ما ذكرناه به فترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمرا تشريعيا يستتبع عقابا جزائيا، بل كان أمرا إرشاديا يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور فيما ترتبط به النتائج بمقدماتها ".
إلى أن قال:
" (فوسوس إليهما الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد) التي إذا أكلت منها أعطتك خلود الحياة التي لا فناء فيها (وملك لا يبلى) فيما يشتمل عليه من سلطنة دائمة مطلقة لا تسقط أمام عوامل الاهتزاز والسقوط.
وهكذا حاول الالتفاف على أحلامهما الإنسانية في الخلود والملك الباقي من دون أن يثير فيهما عقدة الخوف من المعصية لله، ولهذا كان أسلوبه هو أسلوب التحذير الذاتي، والغفلة الروحية عن النتائج السلبية التي تنتظرهما، إذا استسلما إليه.
وهذا هو الذي يجب أن ينتبه إليه الإنسان في مواقفه العملية، فيما قد يوسوس إليه الشيطان من التأكيد على حركة الحلم الوردي في مشاعره بطريقة غير واقعية، مستغلا حالة الاسترخاء الروحي، والغفلة الفكرية التي يخضع لها في وجدانه، مما يجعله مشدودا إلى الجانب الخيالي من أفكاره من دون مناقشة لها في قليل أو كثير فينحرف من موقع الغفلة لا من موقع الوعي، ومن أجواء الحلم لا من أجواء الواقع، كما حدث تماما لآدم وحواء عندما كانا ينعمان بسعادة الجنة ونعيمها في ظلال عفو الله ورحمته ورضوانه، يتبوءان من الجنة حيث يشاءان، فليس لديهما مشكلة هناك.. فلم يكن من إبليس إلا أن وسوس إليهما مستغلا جانب الغفلة، فعزلهما عن الواقع، ودفعهما إلى التفكير بالخلود والملك الباقي من خلال الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها.. ولو فكرا جيدا لعرفا أن الخلود والملك ليسا من الأشياء التي تحصل بفعل الأكل من شجرة، بل هما نتيجة الإرادة الإلهية التي تملك أمر الموت والحياة، والملك الباقي أو الفاني، ولكنهما استسلما للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.
إن الموقف المتوازن هو الموقف الذي ينطلق من القرار المبني على الدراسة الموضوعية للأشياء، وعلى النظرة الواقعية لموقعها من المستقبل مما يفرض على الإنسان أن