وبدأت العملية من موقع حقده وحسده وعداوته.. فمشى إليهما في صورة الملاك الناصح ليقول لهما: إن هذا النهي عن الأكل من الشجرة لا يلزمهما، بل سيحصلان - من خلال تجاوزه - على لذة الخلود والانطلاق في أجواء الملائكة.. وبدأت الكلمات الجديدة المغلفة بغلاف من البراءة والنصح تأخذ مفعولها في نفسيهما، فهما لم يتصورا أن هناك غشا في النوايا، وخداعا في الأساليب.. بل كل ما عندهما الصفاء والنقاء والنظر إلى الحياة من وجه واحد، هو الحقيقة بعينها.. فاستسلما للكلمات من دون أن يشعرا بأن ذلك يمثل تمردا على الله وعصيانا لإرادته فقد كان لأساليبه فعل الساحر في نفسيهما تماما كما هي الأحلام عندما تغرق الإنسان في أجواء روحية لذيذة فتبعده عن واقعه وعن حياته.
وسقطا أمام أول تجربة.. ونجح إبليس في التحدي الأول للإنسان، فأهبطه من عليائه وأسقطه من مكانته.. لئلا يبقى الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله.. فها هو يشعر بالزهو والرضا، لأنه استطاع أن يهبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله عليه، إلى درك الخطيئة ليصبح منبوذا من الله.. وجاء الأمر من الله إليهم جميعا.. آدم وحواء وإبليس أن يهبطوا جميعا.. وان يعيشوا في الأرض إلى المدى الذي يريد لهم أن يعيشوا فيه، ويتمتعوا فيما هيأه الله لهم من صنوف المتع واللذات.. وان يواجهوا الموقف بين الفريقين، فريق الانسان.. الخ.. " (1).
ويقول أيضا في مورد آخر:
".. ويعود القرآن إلى حديث الإنسان الأول آدم في كل مورد للإيحاء بالضعف الإنساني الذي قد يسقط أمام تجربة الإغراء حتى يخيل إليه أنه يمثل الفرصة السانحة السريعة التي إذا لم يستفد منها وينتهزها فإنه يتعرض للحرمان الأبدي.. ولذلك فإنه يبادر إلى انتهازها مدفوعا بهذا التصور الوهمي.. ثم يكتشف - بعد الوقوع في المشكلة - بأن المسألة ليست بهذه السرعة، وأن النتائج الإيجابية الموعودة ليست بهذا الحجم، فقد كان بإمكانه أن يصبر ويحصل على نتائج جيدة أفضل وأكثر دواما وثباتا ".
إلى أن قال:
(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) وأوصيناه وحذرناه مما قد يواجهه من تجربة