ويقول أيضا:
" وأراد الله أن يوحي إلى آدم بكرامته عليه، فيما يمهد له من سبل رضوانه ونعمه.. فقال له.. (اسكن أنت وزوجك الجنة) وخذا حريتكما في التمتع بأثمارها فيما تختاران منها مما تستلذانه أو تشتهيانه.. (فكلا من حيث شئتما) لا يمنعكما منه مانع (ولا تقربا هذه الشجرة) فهي محرمة عليكما.. هذه هي إرادة الله التي انطلقت من موقع حكمته في توجيهكما إلى أن تواجها المسؤولية من موقع الالتزام والإرادة، في الامتناع عن بعض ما تشتهيانه من أجل إطاعة الله فيما يأمر به أو ينهى عنه فلا بد من تجربة أولى لحركة الإنسان في عملية الإرادة.. فلتبدأ تجربتكما الأولى.. في هذه الأجواء الفسيحة التي منحكما الله فيها كل شيء.. مما يجعل من النهي الصادر منه إليكما، تكليفا ميسرا لا صعوبة فيه ولا حرج.. فبإمكانكما السير في نقطة البداية من أيسر طريق.. فلا تقربا هذه الشجرة (فتكونا من الظالمين) الذين يظلمون أنفسهم، ويسيئون إليها بالانحراف عن خط المسؤولية في طاعة الله.. ولم يكن لديهما أي حافز ذاتي يدفعهما إلى المعصية، لأنهما لا يشعران بالحاجة إلى هذه الشجرة بالذات.. ما دامت الشجرة لا تمثل شيئا مميزا في شكلها وثمرها.. فليست هناك أية مشكلة في ذلك " (1).
ويقول أيضا:
" ولم يكن عندهما أية تجربة سابقة في مخلوق يحلف بالله ويكذب، أو يؤكد النصيحة ويخون.. أو يغش، فصدقاه، وأقبلا على تلك الشجرة المحرمة يذوقان من ثمرتها ما شاءت لهما الرغبة أن يذوقا.. (فدلاهما بغرور) أي أنزلهما عن درجتهما الرفيعة فأوصلهما إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه، فيما استعمله من أساليب الخداع (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما) وشعرا بالعري.. الذي بدأ يبعث في نفسيهما الشعور بالخزي والعار، في إحساس جديد لم يكن لهما به عهد من قبل.. وقيل.. إنهما كانا يلبسان لباس أهل الجنة فسقط عنهما بسبب المعصية.. (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة..) ليستراها في إحساس بالحاجة إلى ذلك، بطريقة غريزية من خلال شعورهما بالدور الخجول للعورة.. أو لأمر آخر يعلمه الله.. وسقطا في الامتحان وأخفقا في التجربة.. وبدأ هناك شعور خفي بالخيبة والمرارة.. فيما بدا لهما أنهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه.. وربما تذكرا نهي الله لهما عن الأكل من الشجرة.. وربما يكونان قد عاشا بعض الحيرة فيما يفعلانه في موقفهما هذا.. فهذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرفان فيه.. وهنا جاءهما النداء من الله مذكرا ومؤنبا (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة..) فكيف خالفتما هذا النهي وعصيتماني.. ما هي حجتكما في