توضيحه على نحو الإجمال: أن البداء لغة هو نشوء الرأي وظهوره الذي بمعنى الحدوث لا الظهور في مقابل الخفاء والجهل، ففي القاموس: بدأ له في الأمر بدءا وبداء وبداءة نشأ له فيه رأي. ونحوه عن الصحاح، فالمراد كما يظهر من مجموع الروايات الواردة في تفسيره: أن له الرأي والأمر دائما، فأصل الخلقة كان برأيه وأمره ومشيته الحادثة من غير وجوب، وكذلك إبقاؤه وإغناؤه.
ثم إنه تعالى عين ما أراد خلقه إلى يوم القيامة بمشيته وإرادته الغير الأزلية (سيأتي في " رود " بيانه) وتقديره وقضائه. وكتب جميع ذلك قبل الخلق، وجعل علم ذلك الكتاب عند رسوله وخلفائه. وحيث إن ذلك كله كان برأيه وأمره من غير وجوب يكون له الأمر والرأي في إنفاذ ما أراد وقدر وقضى، أو تغييره وتبديله ومحوه وإثباته على ما يشاء قبل كيانه الخارجي، ولذلك كان خلفاؤه يقولون: لولا آية في كتاب الله لأخبرناكم بما يكون إلى يوم القيامة وهي قوله:
* (يمحو الله ما يشاء ويثبت) *، كما تقدم.
نعم، لو كان منشأ البداء والرأي، الجهل بعواقب الأمور كما هو الغالب في المخلوق كان ذلك نقصا، وربنا العلي القدوس منزه عنه، ولذلك صرحوا بأن البداء ليس عن جهل ومن زعم ذلك فابرؤوا منه، بخلاف ما إذا كان لمصالح أخرى كإظهار كمال ذاته وأنه به يتم اطلاق فاعليته وقدرته، ولا يحتاج في فعله إلى علة بها تتم فاعليته، وإيضاح عدم انحصار طريق الصلاح عليه أيضا لكون أفعاله بين العدل والفضل من غير تعين شئ منهما، فيعرف الخلق ذلك الكمال فيرجون رحمته وفضله، ويخافون عدله وعقابه، ولا يتخطوا عن سبيل طاعته، ويدعونه فيزيدهم من فضله، وغير ذلك من المصالح فلا محذور فيه، بل هو كمال لابد من ثبوته له تعالى، فالبداء بمعنى الرأي والأمر والتغيير والتبديل والتقديم والتأخير ظهور لهذا الكمال ولا يلزم جهل أو تغيير في ذاته تعالى.
فمن أراد مزيد بيان في ذلك فليراجع إلى ما حرره الأستاذ المحقق المدقق العالم بالعلوم الإلهية، والكامل بالمعارف الربانية محيي معالم الدين وماحي آثار