ثم إن «القرب» المنهي عنه المأخوذ كناية، إن كان القرب المكاني، فالمعنى الكنائي لا بد وأن يكون مناسبا له حتى ينتقل منه إليه، وهو التصرفات الخارجية الملازمة للقرب المكاني، كالأكل والشرب والركوب ونحوها، دون التصرفات الاعتبارية، فإنها غير مناسبة للقرب والبعد المكانيين.
ولو أريد به الكناية عن التصرفات الاعتبارية، لا بد فيه من تأويل، كتنزيلها منزلة التصرفات الخارجية الملازمة للقرب المكاني.
وإن أريد ب «القرب» معنى أعم من المكاني - كالمنسوب إلى المعاني والمجردات، فيقال: «العبد قريب من ربه، وهو تعالى أقرب إليه من حبل الوريد، والمعنى الكذائي قريب إلى الفهم، أو بعيد عنه...» إلى غير ذلك - فهل تصح الكناية به عن التصرفات الاعتبارية المحضة، كعقد البيع والإجارة من الفضولي مع عدم تماسه مع العين; بأن يقال: العقد نحو قرب، والتصرف الاعتباري نحو قرب، أو لا؟
وهذا أوجه; لأن كون القرب موضوعا لمعنى عام، أو مرادا به معنى عام، ليس معناه أنه - نظير الشئ - من الأمور العامة الصادقة على كل موجود ووجود; ضرورة لزوم اعتبار نحو من القرب بين الشيئين حتى يقال: «إنه قريب منه» وكذا البعد.
فهما من المعاني الإضافية والنسبية، فلا يطلقان إلا في مورد يكون بين الشيئين نحو قرب وبعد، كقرب المكانة، وقرب النسب، وأما مجرد إجراء عقد غير مؤثر في العوضين، فليس قربا، ولا مقابله بعدا، فلا يطلق عليه «القرب» ولو بمعناه العام إلا بتأويل، كتنزيل ذلك منزلة التصرف الخارجي.
بل لا يصدق على مجرد العقد «التصرف في العين» أيضا، وإلا لزمت حرمته; لحرمة التصرف في مال الغير، فإطلاق «التصرف» على الاعتباريات