عندما يكتب الحجاج السفاك إلى عبد الملك بن مروان: (إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين)! (الصراط المستقيم: 2 / 180). فمعناه أن حاكم العراق والحجاز المعتمد بامتياز عند الخليفة الأموي، يرى أن المرجع الروحي لكل تحركات الهاشميين والشيعة ضد بني أمية ومنها حركة التوابين والمختار، هو علي بن الحسين الذي يمثل أمجاد أبيه وعترة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه ما دام حيا فستنشأ الحركات بشعار يا لثارات الحسين، وتكون بتبريكه مع سلب مسؤوليته عنها!
وعندما يبادر عبد الملك فيكتب سرا إلى الحجاج: (جنبني دماء آل أبي طالب فإني رأيت بني حرب لما قتلوا الحسين نزع الله ملكهم). (محاسن البيهقي / 39) فمعناه أن عبد الملك قرر من أجل الإبقاء على ملكه أن يفصل حساب الإمام زين العابدين (عليه السلام) ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس وأبنائهم، عن حساب التوابين والمختار، وبقية الثائرين بإسمهم.
وقد استفاد الإمام زين العابدين (عليه السلام) من هذا الهامش الأموي الجديد فنشط في تحقيق هدفيه الأساسيين، في الخطوط التالية التي تنتظم كل حياته وفعالياته:
الأول: سلوك التأله والتعبد، وتعميقه في المسلمين وتعليمه للجادين منهم.
الثاني: مواجهة خطط معاوية ضد علي وأهل البيت (عليهم السلام) وخطة يزيد لإبادتهم وتوعية الأمة على مكانتهم في الإسلام وقرآنه وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
الثالث: الديبلوماسية مع النظام الأموي، بعد أن انتقل من آل أبي سفيان إلى آل مروان، ولم شمل الهاشميين ورعايتهم وتقوية روحياتهم، والابتعاد بنفسه وبهم عن الإنخراط في الثورات العاطفية المتأرجحة، أو تلك الطامعة في السلطة باسم أهل البيت (عليهم السلام). ولكل واحد من هذه الخطوط مفردات كثيرة في حياة الإمام (عليه السلام) لا يتسع لها المجال، فنكتفي منها بنقاط: