وفيه: ان الشك في التكليف ان كان توأما مع عدم وصوله من حيث الصغرى، كما في الشبهات الموضوعية، أو الكبرى كما في الشبهات الحكمية، يكون مورد القاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبها يرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، وذلك كما في الشبهات البدوية، فيجوز الارتكاب، ومع ذلك لا يبقى مورد لحكم العقل بقبح المخالفة، واما ان كان احتمال وجود التكليف في كل مورد مقرونا بالعلم الاجمالي بوجود الحكم في أحد الطرفين، فلا محالة لا يكون مورد القاعدة قبح العقاب بلا بيان، بل يكون مورد القاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل - وان شئت قلت، انه لا يعتبر في حكم العقل بقبح مخالفة التكليف، سوى وصول التكليف من حيث الصغرى والكبرى، ولا يعتبر فيه تمييز المتعلق عن غيره، ولذلك ترى انه لم يشك أحد في حكم العقل بقبح النظر دفعة إلى امرأتين يعلم بحرمة النظر إلى إحداهما، مع أن متعلق التكليف غير مميز، فإذا وصل التكليف بالعلم الاجمالي استقل العقل بقبح مخالفته، وان شئت فاختبر ذلك بمراجعة العقلاء فإنك تراهم لا يفرقون، في قبح قتل ابن المولى بين ما لو عرفه بشخصه، وبين ما لو تردد بين شخصين، وهذا هو الفارق بين المقام والشبهات البدوية، وحاصله انه في المقام يكون مخالفة التكليف من ناحية العبد. وفى الشبهات البدوية يكون من ناحية المولى فتدبر.
المبحث الثاني: ان العلم الاجمالي بالقياس إلى حرمة المخالفة القطعية هل يكون بنحو العلية أو الاقتضاء فقد اختار المحقق الخراساني (ره) انه بنحو الاقتضاء، بدعوى ان الحكم الواقعي حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف ففي كل طرف ليس الا احتمال وجود التكليف، فمرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، وموضوع الأصول متحقق، فيجوز للشارع الاذن بمخالفته، ومحذور مناقضته مع المقطوع اجمالا، انما هو محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي، يرتفع بما يرتفع به هذا المحذور في الشبهات غير المحصورة، بل في الشبهات البدوية لاستلزام جعل الحكم الظاهري، فيها احتمال الجمع بين الضدين، وبديهي ان احتمال الجمع يبن الضدين كالقطع به محال، والمحال مقطوع العدم، دائما، فما به التقصي عن المحذور في تلك الموارد كان به